مازن بلال
عندما تسارعت الأحداث كانت الساحة السورية تضيق أكثر، فالتحالفات السابقة لدمشق كانت تنهار بفعل التصور القادم لشرق أوسط لا يحتوي منظومة سياسية بل مجرد واقع سياسي على جغرافيا مشتتة، وكان النظام السياسي السوري هو الضحية الأخيرة لتبديل كل الموازين التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى، فالتحالفات السياسية التي ظهرت منذ عام 2011 بدأت تتلاشى عمليا منذ معركة حماس في أكتوبر العام الماضي.
عمليا فإن أسهل الأمور هي محاسبة النظام السابق، والبحث في أخطاء المحاور القديمة ولكن السؤال الرئيسي يبقى مفتوحا عن شكل سوريا الذي يبدو اليوم قاتما ليس بفعل دخول هيئة تحرير الشام إلى العاصمة، بل في الحدود المفتوحة أمام “إسرائيل” التي باتت على تخوم العاصمة، ومعها تصور سياسي بخلاف القوى كافة الموجودة حاليا داخل سوريا أو خارجها، فالواضح أن الحكومة “الإسرائيلية” تحمل معها آليات سياسية خاصة في رؤيتها للمنطقة ككل.
سقوط الأسد لم يكن شخصيا لأن المرحلة بالأساس كانت على المستوى السياسي مرتبطة بإعادة رسم مفاهيم الدولة التي ظهرت قبل الاستقلال، وبالتفاوض بين النخب السياسية والسلطات الفرنسية خلال مرحلة الانتداب، فهناك مسألتان أساسيتان يجب النظر إليهما:
الأولى، إن الإرهاق السياسي الدولي من سوريا ليس جديدا، فإيزنهاور شبهها بحاملة طائرات يصعب التخلي عنها، فهي تشكيل متعب تلتقي فيه قوى مختلفة لا تستطيع التوافق من دون توازن استراتيجي دولي.
اليوم هناك غموض حول التوازنات التي يمكن أن تظهر مع وجود لاعب إسرائيلي هو الأساسي على الأقل في الجنوب السوري، وهو يفرض معادلة لا تفاوض فيها لأنها تتعامل مع مساحة مفتوحة تستطيع التحرك فيها باتجاه دمشق لفرض حالة سياسية خاصة.
الأمر الثاني، إن النظام السياسي في دمشق كان يفرض قوة معنوية على الأقل في مسألة التوازن، فقائمة المحاسبة التي تطرحها الأطراف السياسية السورية هي في النهاية تجاهل لمسألة بناء هذه القوة، أو التعامل معها بإيجابية بدلا من سحقها كما يحدث اليوم.
أخطاء النظام السياسي في النهاية تشكل اليوم مبررا لعدم الدخول في الأسئلة العميقة حول المشروع الإسرائيلي في سوريا، فالمشروع التركي كان واضحا منذ البداية وتقاطعه اليوم مع ما يريده الإسرائيلي هو الأساس في رسم المعادلات القادمة، فالاستحقاقات الأساسية تبدأ من تصور أبعد من المرحلة الانتقالية التي باتت اليوم مرهونة بإرادة الإسرائيلي وليس بأي شكل آخر، ويبدو من الضروري أن تكون دمشق هي نقطة البداية لأي تحرك لأنها مساحة أي مشروع يمكن أن يصادم التصورين الإسرائيلي والتركي.
العمل السياسي اليوم تظهر ملامحه في حديث نتنياهو عن بلاد الشام بدلا من سوريا، لأنه يفتح أفقا كاملا للدور الإسرائيلي داخل ثلاث دول على الأقل هي سوريا ولبنان والأردن، فالمفهوم الإسرائيلي حاضر في إعادة المنطقة على مساحة تريد موازنة الدور الإسرائيلي أمام أي لاعبين قادمين مثل تركيا أو السعودية، ودمشق المتعبة حاليا هي نقطة التقاء ليس للبحث في مسائل المحاسبة وفضح النظام السابق، إنما لرسم التصور لما يمكن أن يوقف التدهور الإقليمي الذي سينتقل حتما نحو دول أخرى.