الأسئلة الصعبة..
هاشتاغ – رأي – مازن بلال
هاشتاغ – رأي – مازن بلال
يثير التمرد الذي يشهده سجن حي غويران في مدينة الحسكة سؤالا خارج السياق العام للأزمة السورية، فمن المفترض أن نهاية تنظيم “داعش” تنهي على الأقل انحسار العمليات الخطرة، فما يسمى بـ”الخلايا النائمة” ربما تكون قادرة على تنفيذ كمين، أما اقتحام سجن فهو أمر مختلف نوعيا ويطرح إشارة استفهام حول إدارة المناطق التي انتشرت فيها “داعش” مسبقا.
عمليا فإن المسألة تتعلق بتوطين الإرهاب في مناطق النزاع السياسي، فالشمال الشرقي لسورية يشكل “جغرافية غائمة” لم تظهر حولها تصورات واضحة، وتواجد “الإدارة الذاتية” لم يمنح تلك المناطق حالة سياسية على المستوى الدولي، بل على العكس خلق جبهة عسكرية عريضة مع تركيا ومع الحكومة في دمشق، والتواجد الأمريكي المحدود يمثل “إشكالية” حقيقية بالنسبة لجميع الأطراف لأنه يكرس ثلاث أمور أساسية:
– الأولى الإبقاء على مسألة محاربة الإرهاب كحالة مستدامة تستدعي تواجدا عسكريا خارجيا، فالوحدات الأمريكية التي من المفترض أن تمثل جزءا من مهمة محاربة الإرهاب؛ غدت خطاً أحمر للتحرك الخاص بدمشق تجاه سيادة الدولة على كافة أراضيها.
تساعد واشنطن قوات “قسد” في الحفاظ على تواجدها وهيكلها العسكري في الجزيرة السورية، وتضعها ضمن منطقة حماية أمريكية لا تقيد التحرك العسكري السوري فقط، بل تشكل حالة سياسية “عائمة” حتى بالنسبة للأكراد الذين ينتظرون متغيرات عامة لتحقيق شرعية الإدارة الذاتية على المستوى العام، فـ”قسد” تستفيد من التواجد الأمريكي في البقاء ضمن الحدود الدنيا للسيطرة على مناطق تواجدها، بينما تعجز سياسيا عن فرض شرعيتها ضمن “عملية التسوية” بشكل عام، وهذا الشكل غير الواضح يعرقل من مهمة محاصرة الإرهاب في الجزيرة السورية نتيجة “الهشاشة السياسية” في تلك المنطقة.
– الأمر الثاني الحفاظ على حالة التوتر القصوى في الشمال السوري مع تركيا، فشريط الحدود أصبح وفق المنطق التركي حاجة أمنية لمنع التمدد الكردي، وهو ما دفع أنقرة لوضع ميليشيا تابعة لها في تلك المناطق والدخول في حرب استنزاف دائمة مع “قسد”.
يعرقل التواجد الأمريكي إمكانية ظهور تفاهمات إقليمية بشأن “مستقبل السوريين الأكراد”، فهو تواجد “غير مستقر” ويخضع لجدل دائم، ويدفع تركيا أيضا لحملات عسكرية مرتبطة بإعادة انتشار القوات الأمريكية، وبالتأكيد فإن مصالح واشنطن ترتبط بعرقلة المهمة الروسية بالدرجة الأولى، وبالعلاقة بين موسكو وأنقرة اللتان تشكلان نقطة الارتكاز للحل في الشمال السوري، فالحفاظ على “قسد” كأمر واقع لا يعقد المهمة الروسية فقط، بل يضع العلاقة الروسية – التركية بشكل دائم أمام اختبارات صعبة.
– أخيراً فإن الوجود الأمريكي الذي يظهر في أحد جوانبه على أنه “مخفر” لـ”التدفق” الإيراني عبر الحدود العراقية – السورية، يحيل وضع الجزيرة السورية إلى موقع آخر يربط الملف العراقي وتداخلاته مع إيران بالملف السياسي السوري.
مخاوف واشنطن تجاه إيران حقيقية لأنها لا تريد لطهران توسيع “حديقتها الخلفية” نحو شواطئ المتوسط، لكن هذه المخاوف تحتاج لقراءة مختلفة لأن طهران تجاوزت الحدود العراقية – السورية، وعلاقتها بالملفين السوري والعراقي لا يمكن حسمها إلا عبر منظومة أمن إقليمي تبدأ من حوض المتوسط، أو بالعودة إلى صورة النظام العربي الذي على علاته حافظ على الحد الأدنى من القدرة الداخلية لدوله في التحكم بمسائلها الخاصة.
يبقى الشمال السوري ضمن الأسئلة الصعبة التي تتطلب خيارات جديدة في الأزمة السورية، وربما من أسهل هذه الخيارات منع أي طرف من توطين الإرهاب، وجعل المسألة الكردية جزء من “القضية السورية” وليس إقصائها لتصبح عاملا سياسيا إقليميا.