خاص – هاشتاغ سوريا
تتعدد القصص الغريبة من نوعها في سورية هذه الأيام، إلا أن هذه القصة ربما تكون أغربها، لأن بطلها من أصحاب المهنة الإنسانية الأقدس والأكثر التصاقاً بمعاناة الناس، إذ تعكس خللا في أسلوب وتعامل الأطباء مع بعضهم البعض أولاً، ومع المرضى في مستشفياتنا العامة ثانياً .
وفي قصة حدثت قبل عدة أسابيع ووصلت إلى “هاشتاغ” مؤخرا على لسان مريض بعد أن تماثل للشفاء، اقتحم طبيب مشهور وأستاذ جامعي في مستشفى تشرين باللاذقية غرفة العمليات خلال إجراء عملية نادرة وصعبة لجريح حرب مصاب بالسرطان، وطرد الطبيب الآخر والمريض والطلاب بشكل غريب و”مأساوي” لا يحدث إلا بالأفلام.
وما زاد القصة حزناً وألماً أن المريض هو أحد أبطال سجن حلب المركزي ومصاب حرب، واكتشف لديه كتلة سرطانية وأجرى ٩ عمليات سابقة، وفي العملية العاشرة لاستئصال الكتلة السرطانية تم طرده من غرفة العمليات بعد أن تم تجهيزه للعملية قبيل التخدير بقليل .
“علي طريفي”، أحد أبطال سجن حلب المركزي، كان شرطيا متطوعا أصيب في عام 2012 برصاصة رشاش “بي كي سي” اخترقت الخاصرة الى الحوض واستقرت في فقرات الظهر ومازالت حتى الآن في ظهره حيث خضع إثرها لـ 9 عمليات آخرها كانت مختلفة عن كل العمليات بعد اكتشاف كتلة سرطانية في الصدر، و كان من المفترض استئصال كل الرئة و لكن بفضل رؤية الجرّاح تم استئصال جزء من الرئة مع المحافظة على الجزء الرئوي العلوي وهي عملية معقدة و نوعية و عالية الخطورة.
يروي “طريفي” لـ “هاشتاغ” تفاصيل ما حدث معه خلال العملية التي تعتبر عملية نوعية على مستوى سورية ويقول: ” كانت هذه العملية هي التاسعة، حيث حدد الطبيب “وسيم علي” موعدها بتاريخ 11 /7 /2021، وأثناء العملية انخفضت الأكسجة بسبب مشكلة تخديرية ولم يكمل الطبيب العملية فاغلق الجرح وأجّلها عدة أيام وحدد موعدا جديدا بتاريخ يوم الخميس 15 – 7- 2021 وكان هذا الموعد قبل عيد الأضحى بعدة أيام لذلك تم تأجيل العملية أيضا إلى ما بعد عيد الأضحى.
يتابع الجريح “علي طريفي”: بعد العيد، أي بعد 10 أيام كان موعد العملية الجديد وهو مسجّل في جدول عمليات جراحة الصدر في مستشفى تشرين الجامعي وبالتحديد في يوم الأحد 25 – 7- 2021 . دخلت إلى غرفة العمليات وتم تجهيزي للعمل الجراحي الصعب والذي بفضل مهارة الجرّاح سيتم الاكتفاء باستئصال جزء من الرئة مع المحافظة على الفص الرئوي العلوي عبر تصنيع قصبات (sleeve resection).
ويضيف “علي”: لكن، وقبل التخدير بثواني فُتح الباب بقوة، ودخل طبيب علمت فيما بعد أن اسمه (دمر رومية) وبدأ الصراخ قائلاً (الكل لبرا.. شيلوه لبرا) وهو يقصدني، وتابع: الطلاب لبرا وأي طالب دراسات سيبقى مع الدكتور وسيم سيعتبر راسبا، ورفع يده على الدكتور وسيم مهدداً إياه بالضرب، فقال له الطبيب وسيم إن العملية مبرمجة على جدول العمليات منذ أسبوع، وهي عملية دقيقة ونادرة وأدخلت المريض حسب الجدول، أجاب الأستاذ بصراخ: “بتاخد أوامرك مني وأنت تحت صباطي وإذا ما عاجبك اشتكي” فأجاب الطبيب وسيم: سأشتكي للجهات المختصة، ونحن بدولة قانون ولسنا في غابة، فرد الأستاذ “ماني مدور عليك وعلى (*****) وبدي أحرمك تعمل أي عملية في المستشفى”.
وتابع طريفي روايته لما جرى قائلاً “أجاب الدكتور وسيم: أنت أستاذ جامعي يجب أن تكون قدوة، فرد الأستاذ: لبرا. ولم يبق إلا أنا وهما وأصبحت بحالة توتر، وانتابتني حالة من الهلع، وبدأ جسدي بالارتجاف من هذا الموقف، وهذا الأستاذ الذي دخل إلى غرفة العمليات قبل عملية تحتاج إلى 10 ساعات كاملة لإنهائها، وتتطلب جواً هادئاً فقلت للطبيب وسيم: ما عاد بدي أعمل عملية.. بدي موت، فكيف سأشعر بالطمأنينة وأنا أضع روحي ضمن هذا الظرف، وكيف لطبيب أن يجري عملية فيها نسبة خطورة عالية واستئصال رئة والكتلة خبيثة في هذا الجو غير الصحي؟”.
وختم طريفي: مستشفى تشرين هو مستشفى عام له قيمة علمية وأكاديمية وطبية عالية، لكن للأسف البعض لم يحترم منصبه ولا اسمه وأنا الحمد لله تكللت عمليتي بالنجاح في اليوم التالي واستمرت 11 ساعة، لكن أتمنى أن لا يحدث ذلك مستقبلا مع أي شخص من أجل أن يؤمن الناس والمرضى بالمشافي العامة ويكشفوا من يتعامل باستهتار مع أرواح الناس.
تراتبية “عسكرية”!
لتوضيح وجهة النظر الأخرى، اتصل “هاشتاغ” بالطبيب البروفسور “دمر رومية” المتهم باقتحام غرفة العمليات.
الدكتور رومية دافع عن دخوله غرفة العمليات بالقول ” إن الطبيب الذي كان يقوم بالعملية أي (وسيم علي) هو طبيب متعاقد بالمستشفى، وأنا أستاذ بروفيسور، وهذا مستشفى جامعي، وعندما دخلت إلى غرفة العمليات استفزني وهددني بالأجهزة الأمنية”.
واعتبر د.رومية أن “الحديث عن أن المريض هو جريح حرب الغاية منها استعطاف الناس، في حين لم أكن على علم بأن المريض هو جريح حرب”.
وتابع الطبيب رومية في رده: ” أنا أستاذ الجراحة في الشعبة الصدرية، والطبيب الآخر هو متعاقد مؤقت، أي عقد سنوي وفي برنامج العمليات يوجد عمليتان، وبما أني الأستاذ أقوم بعمليتي أولاً، حيث تم إخبار الطبيب الآخر بذلك ثلاث مرات وقبل ثلاثة أيام بأن هناك عملية للدكتور دمر رومية وأنا لا أقوم بعملية فقط، بل كل عمل جراحي هو درس عملي لطلاب الدراسات العليا، وهم طلابي وأنا استاذ المادة، والشكوى هي عبارة عن افتراء وتشفي وكلام مدفوع وتجييش”.
وحول سؤال الطبيب رومية عن حقيقة اقتحام غرفة العمليات قال: “نعم دخلت وقلت كيف تدخلون المريض، وأجابني الطبيب أنه هو من أدخله رغم أنه دوري في العملية وأنا أستاذ، وهو متعاقد، فقلت له إذا كان الموضوع إجباري فلن تجري العملية، أنا أستاذ الجراحة الصدرية، وفي سورية طبيبان فقط بمرتبة بروفيسور جراحة صدرية وأنا أحدهما”.
واعترف د.رومية: “لا يجوز الدخول إلى غرفة العمليات، لكن أنا من يقرر من يقوم بالعملية أولاً، والنظام في المستشفى يشبه النظام العسكري، أي بالأقدمية والتراتبية، ولا يجوز أن يبدأ المتعاقد قبلي”.
وأقرّ د. رومية “نعم، طلبت من طلاب الدراسات المقيمين بترك الغرفة والتوجه إلى الغرفة الثانية، حيث أشار إليّ طبيب آخر أن هناك غرفة خالية، ولكنني طلبت إليهم العودة لمساعدة الطبيب وسيم إذا أراد إكمال عمليته” .
سابقة خطيرة
بدوره، اعتبر الطبيب “وسيم علي” أن ما حدث في غرفة العمليات يعتبر سابقة خطيرة، ولاسيما أنه حدث بين الأطباء، وأمام المرضى، وهي المرة الأولى التي ينتهك فيها طبيب حرمة غرفة العمليات وحرمة طبيب آخر وحرمة المريض من دون أي مبرر.
وأكد الطبيب “وسيم علي” أن جدول العمليات كان واضحاً قبل أكثر من 10 أيام، ويتضمن عملية واحدة للمريض “علي طريفي” وهي عملية معقدة ونادرة على مستوى سورية، لكن هناك من كتب جدول عمليات آخر ومختلف (بعد حادثة اقتحام غرفة العمليات) بهدف التغطية على الحادثة وإسباغها بموقف قانوني، علماً أن الجدول الجديد غير مسجل في الديوان وغير ممهور بخاتم معاون المدير العام للشؤون الطبية.
جدولين في يوم واحد
وتكشف الوثائق التي حصل عليها “هاشتاغ” أن ثمة جدولين للعمليات في الشعبة الصدرية بمشفى تشرين الجامعي في يوم 25-7-2021، فالأول يحتوي عملية واحدة باسم المريض “علي طريفي” وطبيبه وسيم علي ممهوراً بختم رئيس شعبة جراحة الصدر ومعاون المدير العام للشؤون الطبية، والجدول الثاني يحتوي عمليتين، واحدة للمريض علي طريفي وطبيبه وسيم علي والأخرى للمريضة (س.د) وطبيبها (دمر رومية)، لكن الجدول الثاني ممهور بتوقيع رئيس شعبة جراحة الصدر فقط من دون توقيع معاون المدير وغير مسجل في الديوان برقم واضح، وفي ذلك خطأ أو خلل في العمل يحتاج إلى تدقيق من قبل المسؤولين على المستشفى.
أحد الأطباء المتعاقدين في مستشفى تشرين (فضل عدم ذكر اسمه) كشف لـ”هاشتاغ” أن أسلوب تعامل بعض الأساتذة مع الأطباء في المستشفى يشوبه التمييز والفوقية مع الأطباء المتعاقدين أكثر من المستشفيات الأخرى ولا سيما في موضوع الدور على العمليات والمناوبات مبينا أن بعض أساتذة الجامعة يعتبرون أنفسهم فوق القانون و فوق المحاسبة وهذا يضر المريض ويضر سمعة المستشفى وربما يكون أحد أسباب هجرة الأطباء الشباب عندما لا يشعرون بالاحتضان والتشجيع من قبل أساتذتهم ورؤسائهم في العمل.
دعاوى في المحاكم
وعلم “هاشتاغ” أن الطبيب وسيم علي تقدم بشكوى رسمية إلى إدارة مستشفى تشرين الجامعي حول حادثة اقتحام غرفة العمليات، وشكوى رسمية إلى رئاسة جامعة تشرين وتقدم بادعاء لدى النيابة العامة باللاذقية، و تمت إحالة الادعاء إلى قسم الشرطة الشرقي في اللاذقية لتنظيم الضبط اللازم، وتم تنظيم الضبط اللازم وشكوى خطية إلى نقابة أطباء اللاذقية وشكوى خطية إلى فرع نقابة المعلمين في جامعة تشرين.
جريمة بحق الطب
قد تمر هذه الحادثة كما مر غيرها من قصص لم يسمع بها أحد إلا أن تفاصيلها تشير إلى استهتار كبير بأرواح المرضى وإخلال بأخلاقيات المهنة الأقدس واستخفاف بالقَسم الطبي، ذلك أن خلافات وإشكالات متل هذه تلامس أرواح البشر وتؤثر على سمعة المستشفيات العامة وقيمتها واسمها.
شهداء أحياء
بعد 10 سنوات من حرب قاسية وتضحيات جسام وآلاف الشهداء والمصابين على طول مساحة الوطن، يستحق جرحى وأبطال الجيش العربي السوري وجرحى الحرب بشكل عام الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن مكافأة غير هذه و معاملة أكثر إنسانية وجدية ويستحق المرضى في المستشفيات العامة معاملة أكثر مسؤولية كي يبقى القطاع الصحي والمستشفيات العامة على مستوى تضحيات الشعب السوري وإلى جانبه كما كانوا دائماً.