هاشتاغ _ عبد الرحيم أحمد
ما بين “الظروف غير الملائمة” حسب واشنطن والتهديدات “بعمل عسكري” تركي ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، أجّلت المفوضية العليا للانتخابات التابعة للإدارة الذاتية “الانتخابات البلدية” المقررة 11 حزيران/يونيو الجاري، فيما تطلق عليه “إقليم شمال وشرق سوريا” لغاية شهر آب/أغسطس القادم، فهل تحدث الانتخابات في الموعد الجديد؟
قرار التأجيل تم تبريره بطلب عدد من الأحزاب منحهم الوقت الكافي لتأمين الدعاية الانتخابية المناسبة وتأمين الرقابة الدولية. لكن الواضح أن التأجيل جاء استجابة لرغبة واشنطن التي أعلنت خارجيتها أن “الظروف غير ملائمة” لإجراء هذه الانتخابات.
خطوة فُهم منها أنها “لحظة تخلٍ” أمريكية جديدة وبيع الأكراد إلى تركيا الحليف المهم في الناتو.
خلافات كردية-كردية
لكن أمين عام حزب الشباب للبناء والتغيير بروين إبراهيم وهي الكردية من القامشلي ترى أن التأجيل الحاصل بناء على رغبة البعض باستجلاب رقابة دولية، دليل على وجود “شرخ واضح بالثقة بين الأطراف”، متسائلة هل سيقتصر دور التدخل الدولي على مراقبة الانتخابات أم سيتحول إلى “تدخل لنصرة أدواته التي يستعملها بالداخل السوري ولمصلحته وليس لمصلحة الشعب السوري؟”.
وأشارت إبراهيم في رد على أسئلة “هاشتاغ” إلى أن الخلافات بين حزب الاتحاد الديمقراطي والمجلس الوطني هو “خلاف قديم متجدد سواء على الجانب السياسي أم الأيديولوجي وهو ما ينذر بمزيد من الاقتتال والفرقة وخاصة أن لكل طرف ذراعاً عسكرية يستقوي بها، فهناك وحدات حماية الشعب التابعة للحزب الديمقراطي وألى الجانب الآخر هناك البشمركة التابعة للمجلس الوطني، وأي تصعيد بين الطرفين ستكون نتائجه مزيداً من الدماء السورية”.
من يثق بواشنطن كمن يثق “بأم عامر”
تعوّل بعض القوى الكردية على دعم واشنطن لتحقيق أحلامها بالحكم الذاتي واستمرارها في فرض الأمر الواقع في الجزيرة السورية، لكن إبراهيم ترى أن “واشنطن على مر العصور لا يعنيها في الدرجة الأولى إلا مصالحها وهي تستبيح المحرمات كلها تجاه تحقيق أهدافها الاستراتيجية في السيطرة على العالم وثرواته وشعوبه، لذلك من يثق بواشنطن كمن يثق (بأم عامر)، وللأسف من تسوّل له نفسه أن يكون أداة لواشنطن أو لغيرها فهو شخص مرحلي ستلفظه الشعوب حال انتهاء مهمته الخدمية”.
وتعرضت القوى الكردية لصدمات عدة من جراء تخلي واشنطن عنها لصالح النظام التركي، إذ امتنعت الولايات المتحدة عن استخدام نفوذها وقوتها لمنع القوات التركية من شن عملية عسكرية ضد قوات حماية الشعب في مدينة عفرين شمال غربي حلب عام 2018 وفي كل من تل أبيض ورأس العين الحدوديتين عام 2019.
وهدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام بأن أنقرة سوف تتخذ إجراءات عسكرية لمنع حصول الانتخابات. وقال في ختام جولة شملت إسبانيا وايطاليا.. “إذا نشأ مثل هذا الموقف، فسنحشد قواتنا كلها بحسب الضرورة. ولن نسمح للإرهـابيين بترسيخ مواقعهم تحت أنوفنا”.
وعن هذه التهديدات أوضحت أمين عام حزب الشباب للبناء والتغيير أن “النظام التركي طالما أطلق التحذيرات واتضح فيما بعد أن للتوازنات الدولية الكلمة الفصل، ولم يعد يخفى على الجميع المطامع التركية ورغبتها المسعورة بالنهج التوسعي الاحتلالي باعتماد الأدوات السورية التي ارتمت بالحضن العثماني معتلي المنابر التي استخدمها لتجييش العداء والكراهية وبث المزيد من الفرقة والقتل بين السوريين على مبدأ فرق تسد”.
لا رغبة داخلية بالانفصال
وأكدت أمين عام حزب الشباب للبناء والتغيير رداً على سؤال حول نيات وممارسات “الإدارة الذاتية” الانفصالية “إن ما تعلنه الإدارة الذاتية عن وحدة الأراضي السورية وما تخفيه من رغبات بإدارة شؤون المناطق التي تسيطر عليها فأعتقد أنه أمر يخضع لتوازنات دولية وليس رغبة داخلية للسوريين على مختلف مكوناتهم في منطقة الجزيرة”.
وعن موقف حزبها من الانتخابات البلدية في الجزيرة السورية عدت إبراهيم أن “الانتخابات بالمطلق حالة ديمقراطية ولكن ضمن أجواء صحية مبنية على الثقة المتبادلة بين أبناء الشعب الواحد وأي كان موقعها وتسميتها سواء بالشمال أم بالجنوب، بلدية أو برلمانية فهي ضرورة ملحّة لتفويض بعض النخب لإدارة شؤون البلاد وسن التشريعات وإقرار القوانين”.
وأشارت إلى أن حزب الشباب للبناء والتغيير، وهو حزب مرخص منذ عام 2011 بموجب قانون الأحزاب الجديد، معني بتلك الانتخابات و”يدعم أي مرشح يحمل هموم السوريين وقضاياهم”.
مستقبل القوى الكردية يعتمد دمشق
وترى أمين عام حزب الشباب للبناء والتغيير أن “مستقبل القوى الكردية، يعتمد دمشق وقدرتها على فتح حوار يفضي لنتائج ملزمة للجميع”، محمّلة الحكومة السورية المسؤولية عن وجود “مخاوف متراكمة عند معظم المكون الكردي السوري وهذا يجعله متمسكاً برغبته حيال الاعتراف بلغته وثقافته ووجوده بوصفه مواطنا متساوي الحقوق والواجبات مع باقي المكونات السورية وليس مواطنا درجة ثانية”.
وقالت ..”نحن نعتقد أن تقصير الحكومة السورية تجاه فتح حوار حقيقي محدد الأهداف يضم الطيف السوري كله والإحاطة بآرائهم ومتطلباتهم جميعها وتتويجها بدستور سوري جامع يضمن الحقوق قبل الواجبات، بهذه الطريقة فقط نضمن عدم تقسيم سوريا وإعلان دويلات داخلها لا بالشمال ولا بالجنوب”.
وكانت الحكومة السورية قد أجرت عدداً من الحوارات مع القوى الكردية في العقد الماضي بهدف التوصل إلى صيغة مقبولة من الجانبين لكيفية إدارة مناطق الجزيرة وإعادتها إلى كنف الدولة وسيادتها، لكن المحاولات جميعها باءت بالفشل بسبب الضغوط الأمريكية على تلك القوى لمنعها من المصالحة مع الحكومة السورية وعودة منطقة الجزيرة إلى السيادة السورية مع ما يحمله ذلك من دعم للاقتصاد الوطني الذي تفرض عليه واشنطن عقوبات اقتصادية.
رفض دولي للمساعي الانفصالية
أكدت بيانات “أستانا” جميعها التي تشارك فيها روسيا وسوريا وتركيا وإيران رفض محاولات القوى الكردية فرض الأمر الواقع في الجزيرة السورية، وأعربت هذه الدول عن تصميمها على الوقوف في وجه الأجندات الانفصالية الهادفة إلى تقويض سيادة سوريا وسلامتها ووحدة أراضيها وتهديد الأمن الإقليمي للدول المجاورة.
وعلى الرغم من أن القوى الكردية تحظى بدعم واشنطن لفرض سيطرتها على الجزيرة السورية ومنع الحكومة السورية من استعادتها، فإن الولايات المتحدة تمتنع حتى اليوم من تقديم الدعم العلني للانتخابات البلدية التي تنوي الإدارة الذاتية تنظيمها.
لذلك من المرجح أن تتراجع الإدارة الذاتية عن إجراء تلك الانتخابات في آب المقبل بسبب التهديدات التركية وما قد تحمله من مخاطر من جهة، والرفض الروسي والسوري لهذه الانتخابات بوصفها خطوة إضافية في طريق الابتعاد عن دمشق، وخصوصاً في ظل الحديث المتزايد عن عودة الحرارة للحوار السوري_التركي ومفاجآت قادمة في هذا المسار.