هاشتاغ_ إيفين دوبا
خلال شهر تقريباً، يدخل فصل الربيع إلى هذه البلاد التي تمزقت باسم “الربيع”، شهر أو يزيد قليلاً وينتهي شتاء السوريين القارس والقاحل لهذا العام، على أمل أن تحدث معجزة ما فتتحسن شتاءاتهم القادمة.
ولكن يبقى سؤال بمفعول رجعي (لا علاقة للرجعية العربية هنا بالأمر) : كيف تدبّر السوريون أمرهم.. أو كيف قضوا فصل الشتاء؟
البداية من “الدعم” المزعوم، الذي تتباهى فيه الحكومة مع كل مطلع شمس، والذي لم يصل إلى أغلب الأسر السورية، وهو ما تم إعلانه صراحةً من قبل وزير النفط السوري، بقوله “إن نسبة مازوت التدفئة الموزعة عبر البطاقة الإلكترونية بلغت 40 في المئة”، أي أن 60 في المئة من المواطنين لم يستلموا مخصصاتهم من المادة، وهو ما قدّره بنحو مليونين ومئتي ألف أسرة.
تحدث “سيادته” عن حالة من التفاوت في توزيع المازوت بين المحافظات قائلا إن “الظلم الأكبر في توزيع المادة كان في المحافظات الكبيرة، ففي دمشق استفاد 20 في المئة فقط من الأسر من المازوت، و26 في المئة في ريف دمشق، وفي حلب 18 في المئة، بينما بلغت نسبة التوزيع في السويداء 93 في المئة”، ومن خلال هذا التصريح يمكن القول، إن أغلب العائلات لم تحصل على “دفء” الشتاء عبر المازوت.
وأردف الوزير طعمة، أن إنتاج سورية اليومي من النفط العام الماضي بلغ 89 ألف برميل، وقال “إن 80 ألفا منها تمت سرقتها”، أي أن إنتاج المنطقة الشرقية كله كان يسرق، وهذه النقطة، التي يجب الوقوف عندها، خاصةً بعد سماع التصريحات الأمريكية الجديدة التي جاءت على لسان جون كيربي، المُتحدّث الرسمي باسم وزارة الدفاع الأمريكيّة، والذي قال إن “القوات الأمريكية الموجودة في سورية لم تعد مسؤولة عن حماية آبار النفط، وأن واجبها الأوحد هو مكافحة تنظيم داعش”، وهو ما يدل على أن إدارة جو بايدن، تنوي التخلص من معظم سياسات إدارة دونالد ترامب، ومن ضمنها المتعلقة بسورية، اعترافاً بفشلها وخطورة الاستمرار فيها.
إذاً، الاعتراف بالسرقات الداخلية موجود، والأمر بالنسبة إلى الخارج بات محسوماً، فهل يمكن استعادة النفط السوري المسروق، ليستفيد منه السوريون؟!.
التصريح الأمريكي الذي وصفه بعض المتابعين، بأنه “مفاجئ”، يؤكد أن الخطوة الأمريكيّة الجديدة جاءت بعد تواتر المعلومات من شمال شرق سورية المُحتل، حيث يتواجد 900 جندي أمريكي، حول استنفار العشائر العربية السورية للتصدي لهذه الهيمنة الأمريكيّة، ومن الممكن أن يكون قرار إدارة بايدن المقبل هو “سحب القوات الأمريكية لاحقاً لتجنب المزيد من الخسائر.
وبالعودة، إلى موضوع تدفئة السوريين، وريثما يعود النفط المنهوب، لم يبق للعديد من العائلات السورية، ملجأً للتدفئة سوى الاعتماد على الكهرباء، وهذه “قصة يطول شرحها”، لكن، وزير الكهرباء السوري، كان أكثر تفاؤلاً؛ إذ تحدث عن صعوبات تأمين الطاقة، ووعد بتحسن قريب، في الوقت نفسه، معرباً عن أمله بأن يكون العام الماضي هو “آخر السنوات العجاف”.
ولم يخف الوزير الزامل عند حديثه عن واقع الطاقة الكهربائية، التي تشهد ساعات تقنين هي الأطول منذ بداية الأزمة، أن الحاجة من التوليدات الكهربائية تعادل ضعف المتوفر، إذ أن الحاجة الفعلية تعادل نحو 7 آلاف ميغا واط، بينما المتوفر لا يتجاوز 3 آلاف ميغا.
وعزا الزامل ذلك إلى “ظروف قاسية جداً من الحصار الاقتصادي، أو قدم التجهيزات، وقال إن ما تعانيه البلاد من الحصار وقانون قيصر يخلق صعوبات جمة لإعادة تأهيل المحطات”.
وتحدث أيضاً، عن تأثير انخفاض واردات الغاز على الكهرباء، قائلاً “إن 70 في المئة من محطات التوليد الكهربائية في سورية تعمل على الغاز، وأن واردات الغاز انخفضت من 14 مليون متر مكعب إلى نحو 8.5 ملايين متر مكعب.
وأشار الزامل إلى توقيع عدة عقود لتوليد الكهرباء من الطاقات البديلة، كالرياح، والطاقة الشمسية.
إذاً، لا مازوت للتدفئة، ولا كهرباء أيضاً، فعلى ماذا يعتمد السوريون في أيامهم المظلمة والباردة؟!.
يبدو إنه ما من جهة تنتج مادة يحتاجها المواطن في الشتاء إلا و”تتحدث عن معاناتها”، وتترك الأمر لأرقام التجار الذين يرفعون الأسعار؛ حيث استغل منتجو المدافىء وضع الكهرباء المأساوي وانعدام الحصول على الغاز فراهنوا بأن المواطن سيلجأ إلى مدافىء المازوت والحطب، ولم يترددوا برفع أسعارها!
وفجأة، قفزت أسعار المدافىء بكل أنواعها، و تكرست أسعار السوق السوداء من المازوت والحطب الخاص بالتدفئة، لتزيد معاناة السوريين، كون أغلبيتهم لا قدرة لهم على دفع ما يقارب 1200 ليرة ثمناً لليتر واحد من المازوت، “اغلبه مغشوش”، و18 ألف ليرة لكيس من الحطب، يمكن أن يحترق خلال 3 ساعات!.
بدوره، لم يخف تقرير صادر عن اتحاد العمال، الحديث عن ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل غير مسبوق، وحسب آخر إحصائياته، فإن “الأسرة المكونة من 5 أشخاص تحتاج إلى 600 ألف ليرة سورية لسد نفقات المعيشة”، ومعها تراجعت القدرة الشرائية لأصحاب الدخل المحدود بنسبة تزيد على 90 بالمئة بسبب الارتفاعات الكبيرة في الأسعار التي وصلت إلى مستويات تجاوزت نسبتها ألف في المئة!
إذاً، بعد كل ما سبق، هل تسمع الجهات المعينة “صرخات” السوريين، واستغاثاتهم، في فصل الشتاء، أم تنتظر هي الأخرى فصل الربيع لتزيح عن كاهلها عبء الاستماع على أنينهم “المزعج”، متجاهلةً كالعادة أن فصل الربيع سيمر بلمح البصر فاتحاً الطريق لصيفٍ قائظ بكهرباء وماء شحيحين .. وأنين يتكرر … إلى ما لا نهاية!