الإثنين, ديسمبر 23, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الأولاد يضرسون ..

نضال الخضري

مساحة أطفالنا لا تضيق بل ترسم مسار لما ننتظره في العقود القادمة، وسواء تجول هؤلاء الأطفال في دمار أحياء غزة أو في ضجيج دمشق أو غيرها من المدن، فهم يصطدمون بالجدران التي رفعناها بوجه المستقبل، فالحروب في النهاية دروب ضيقة تبدأ بأحجار صماء نرفعها في وجه أوهامنا، وتنتهي بدماء لأبرياء ذنبهم أن تلك الجدران رافقتهم منذ اللحظات الأولى لولادتهم.

كانت حروبنا عبثية بشكل غير منطقي، فهي معارك لكسر أوهام خلقناها بأنفسنا، أو تحصنا خلفها كي لا نواجه حقيقة ما علينا أن نحاربه، وفي البداية رسمنا خطوط الدول حول “إسرائيل” لكننا لم  نفكر أن وجودها المستحدث لا يشبه ما أوردته كتب التاريخ، فهي ليست استيطان فقط بل صورة لعجزنا عن كسر الماضي في عقولنا، وهي أيضا أسوار رفعناها لنجعل دولنا تتصادم أو تتلاقى بشكل مفاجئ على إيقاع الصراع في “إسرائيل”، وبعد عقود تبدو حرب غزة خلاصة معارك ممتدة تتجاوز التفكير بالانتصار أو الهزيمة، فهي سلسلة أطفال كبروا ثم شابوا وهم يحملون مفاتيح بيوتهم الضائعة.

الحلقة المفقودة ليست في غزة ولا في شوارع دمشق بعد حرب داهمت الجميع، فهناك جسر ضائع وليس مجرد “حلقة”، يربطنا مع المستقبل ويجعل أطفالنا يضرسون حتى بعد أن يبلغوا الكهولة، فعندما نصل إلى نتيجة بأننا نواجه نماذج غير مسبوقة، وأن التاريخ لن يسعفنا في رسم مسارات البدايات لأزمتنا؛ عندها نستطيع فهم “الوجود الإسرائيلي” من جديد، ونستطيع قراءة الأزمة السورية بشكل يكسر المؤامرة والثورة في آن، ونفهم أن دول الطوق لا تطوق “إسرائيل” بل تحاصر نفسها.

قد تكون “إسرائيل” أوهى من بيت العنكبوت، وأصالتنا أقوى من الصورة الذهنية المرسومة لها، لكن “بيت العنكبوت” في العلم المعاصر هندسة فائقة، وهو مصيدة “الضعفاء” وهزيمته هي في تغيير البيئة التي تجبره على الرحيل لمكان آخر، فتفكيرنا “الرطب” لن يساعد في منعه من تجديد نفسه، وترك حقوقنا لـ”أجيال قادمة” هو “مصيدة” لن تبني “الجسر الضائع” نحو المستقبل.

لم تكشف حرب غزة أي جديد فهي اختصرت صورة مكررة لحروب تائهة ومعارك لم تكن بالضرورة مع “إسرائيل”، فهناك حروب أخرى حاصرتنا من بغداد إلى دمشق وبيروت، ورسمت خلاصات سريعة قبل أن نُفجع بأطفالنا في غزة، وعندما بدأ طوفان الأقصى فإنه وضع نتائج عقد كامل من سوداوية التفكير السياسي في مساحة واحدة، فأي انتصار أو هزيمة لا تبدأ بمعركة إنما بصراع فكري لا نريد خوضه لأننا على ما يبدو مستمتعون بالطريقة التي “يضرس” فيها أطفالنا وهم ينتظرون قسوة الاعتداء عليهم.

علينا أن نصدق بأن “إسرائيل” تسعى للنيل من “يحيى السنوار” وهي تجرف كل أطفال غزة معها، وعلينا أيضا إقناع أطفالنا أن دولة لا تتجاوز مساحتها قطاع غزة هي الوسيط الذي سيوقف الاعتداء، وأخيرا فإننا وكما يظهر في الإعلام نهزم “نتينياهو” وننهي مستقبله السياسي بدماء أطفالنا كي يظهر أمل بـ”حل الدولتين”، ومازال الحصرم وجبة يومية كي يضرس أطفالنا

مقالات ذات صلة