هاشتاغ-رأي – أيهم أسد
يعد ترتيب الأولويات الاقتصادية الوطنية أحد الركائز الأساسية لسياسة الحكومات العامة، هذه الأولويات التي ترتبط حكماً بأولويات الاحتياجات المجتمعية، وبالموارد المالية والطبيعية والبشرية المتاحة، وبالظروف المحلية السياسية والاقتصادية المحيطة بعمل السياسة العامة.
وبالتالي فإن الترتيب غير صحيح لأولويات السياسة العامة سيترجم فوراً إلى سوء تخصيص للموارد، وإلى تنافر في تحقيق الاحتياجات العامة وسيزيد من حالة التباعد بين الحكومة والمواطن ويوسع الفجوة بينهما، وسيُظهر بالنتيجة أزمة إدارة.
وتظهر أهمية إدارة السياسة العامة في وقت الأزمات والكوارث والحروب أكثر من أي وقت مضى، وعندما يبيّن خطاب الحكومات أن هناك شحاً في الموارد المالية فإن ترتيب أولويات السياسة العامة سيخضع لاختبار دقيق جداً، اختبار يقارن بين “خطاب الشح” و”ترتيب الأولويات” وكيفية توفيق الحكومة بينهما.
هذا ما يحدث الآن في الاقتصاد السوري تماماً، فخطاب الحكومة الاقتصادي المبني على شح الموارد يقابله ضعف في ترتيب أولويات السياسة العامة الوطنية، فطالما أن هناك موارد مالية قليلة جداً فلماذا لا يتم إنفاقها على مشاريع اقتصادية واجتماعية أكثر جدوى؟
فهل الأولوية الوطنية الآن لتجميل بعض الساحات العامة وحفر الأنفاق وتجميل الجسور أم أنها لشيء آخر؟ أليس من الأجدى توجيه تلك الأموال لتطوير وتحسين منظومة النقل نفسها على سبيل المثال بما تحفظ سهولة وسرعة ووقت تنقل الناس؟
وهل الأولوية الوطنية الآن لتوجيه الموارد نحو مصانع تجميع السيارات الكهربائية أو لشيء آخر؟ أليس من الأجدى توجيه أموال القطاعين العام والخاص نحو صناعات أكثر جدوى ومنتجة للقيم المضافة الحقيقية أكثر من مصانع التجميع؟ وهل يحتاج الاقتصاد السوري اليوم إلى سيارات كهربائية فعلاً؟
وهل الأولوية الوطنية للمؤتمرات والندوات وورشات العمل التي تكلف مئات الملايين من دون أن يطبق منها إلا النذر اليسير أم لشيء آخر؟ أليست الأولوية الآن لدعم الأجور والرواتب ودعم الإنتاج الوطني والبحث العلمي الحقيقي؟
وهل الأولوية الوطنية اليوم لفرض الضميمة على السكر وألواح الطاقة الشمسية المستوردين أم لشيء آخر؟ أليس من الأجدى دعم تلك الصناعات وحمايتها بطرائق أكثر فعالية ولا تؤثر في الاقتصاد سلباً؟ ولا تزيد من التضخم؟
ربما لو حاولنا حصر قائمة التناقض في السياسة العامة لوجدناها تطول كثيراً، إنها حالة التناقض الدائم في ترتيب الأولويات الوطنية… إنها جزء من أزمة الإدارة العامة.