مازن بلال
منذ ظهور قانون الإدارة المحلية بقيت إشكالية “اللامركزية الإدارية” عائمة على إجراءات تبدو بعيدة عن مسائل اللامركزية، في وقت ظهرت فيه المجالس المحلية كنوع من استكمال لباقي المؤسسات الرسمية.
ومهما كانت الانتقادات للقانون 107 وظروف ظهوره مع بداية الأزمة، إلا أن المؤشرات حول هذه التجربة توضح
أن القانون خارج عن السياق العام للسياسات العامة السورية، وهو في نفس الوقت يحمل إرثا ثقيلا لتجربة
الإدارة المحلية منذ بداية السبعينات، الأمر الذي يجعل من الانتخابات ونتائجها حالة عاجزة عن الوصول إلى
أهداف تنموية من هذا القانون.
خلال السنوات الماضية ظهر جهد واضح لدفع أعضاء المجالس المحلية للعمل، سواء عبر ورشات برنامج الأمم
المتحدة للتنمية بالتنسيق مع الحكومة السورية، أو عبر التوجهات السياسية الرسمية التي عملت منذ الانتخابات
الماضية إلى تفعيل عمل هذه المجالس.
لكن سير العمل لم يقدم نتائج واضحة، بل على العكس ظهرت مشكلات أدت إلى حل بعض المجالس، وتبدو
المفارقة الأساسية في مسألة الإدارة المحلية في البيئة السياسية المرافقة للقانون أكثر من كونها في القانون أو تنفيذه، ويمكن هنا ملاحظة أمرين:
لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
الأول أن هذه الانتخابات تمثل القاعدة الأساسية لأي تيار سياسي، فمن المفترض أن تحمل معها اهتماما عميقا
بكونها مؤشرا على حيوية العمل السياسي، وهي بذلك الأكثر تعبيرا من انتخابات مجلس الشعب الذي
يشكل ميدانا مختلفا، وبالتأكيد فإن هذا الأمر يبدو بعيدا ليس عن الأحزاب فقط بل عن الثقافة الاجتماعية – السياسية عموما.
الترشح الفردي الذي يظهر اليوم لا ينقل الفهم المفترض لمثل هذه الانتخابات، وإذا كانت البرامج السياسية غير متوفرة في الانتخابات التشريعية، فإن البرامج التنموية هي المفقودة في تجرية الإدارة المحلية، فالجانب الخدمي أكثر وضوحا وكأنه استكمال لعمل البلديات، بينما لا تبدو التصورات التنموية موجودة على مساحة الترشيح القائمة حاليا، فالبرنامج التنموي الوحيد مركزي بالدرجة الأولى، وفي المقابل فإن القوى السياسية والاجتماعية لا تكلف نفسها عناء تقديم رؤى لتنفيذ هذه البرامج ضمن مناطقها.
المفارقة الثانية هو أن القانون بذاته يحتاج إلى بيئة داعمة تُقنع المجتمعات المحلية بأهمية المجالس، وفي نفس الوقت تضع أمام المجالس ممكنات واقعية لبناء تشارك على مستوى محلي.
مسألة الإدارة المحلية تتجاوز على المستوى العام القانون الذي ينظمها، فهي بنية بالدرجة الأولى لا يمكن وضعها دون شبكة محلية قادرة على دعم عملية الإدارة، وهذا الأمر مفقود لأسباب متعددة يبدو أهمها إرث تلك الإدارات التي نشأت في ظروف المركزية في بداية السبعينات، وتحتاج اليوم إلى هيئات اجتماعية تدعم السياسة العامة في كل مسائل الإدارة المحلية، وفي نفس الوقت تشكل شريكا قادرا على قراءة التجربة التي تعتبر حديثة، فالإدارة المحلية هي شأن حيوي يتطلب دراسة دائمة كي يصبح ثقافة عامة قادرة على تحقيق أهداف تنموية محلية لا تتضارب على المستوى الوطني، وتحقق في نفس الوقت مساحة مفتوحة لاستقرار المجتمع السوري عموما.