مازن بلال
منذ أن أطلق الرئيس جورج بوش الابن حربه على الإرهاب ارتسمت خربطة لعالم مضطرب، فما أراده الرئيس الأمريكي حسب تعبيره هو الوصول إلى عالم أكثر أمنا، وما حققه بالفعل هو حالة من الشكوك واللايقين وإيجاد “جغرافية خفية” للتطرف، فالولايات المتحدة هي من أكثر الدول بعدا عن الإرهاب بعد أحداث 11 أيلول، ولكنها في نفس الوقت الدولة التي جعلت شبح الإرهاب جزءا من العلاقات الدولية، وظاهرة تؤسس لكل أشكال الاضطراب في العالم.
عمليا فإن الحرب على أفغانستان فتحت شكلا جديدا من ضياع المفاهيم بشأن الإرهاب، وتعمقت فوضى تحديد هذا المفهوم بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، ليصبح مع مرحلة “الربيع العربي” مساحة فوضى لا تحدها الشبكات و”الخلايا النائمة” كما حدث في تسعينيات القرن الماضي، إنما استراتيجية لإعادة رسم “المنظومات الإقليمية”، وتبدو مسؤولية الولايات المتحدة في كل هذه الظاهرة كخلفية لمشهد أكثر تعقيدا، تتراكم فيه الأزمات ومناطق التصعيد لتصبح سمة العالم في الألفية الجديدة.
في الإرهاب الذي ضرب العاصمة الروسية موسكو ملامح لكل التأسيس السابق منذ حرب أفغانستان، وربما لمراحل سابقة عندما شكل التطرف سلاحا متنقلا بين الدول يمكن وضع عناوين مختلفة له، ورغم قسوة الحدث الذي طال “حفلا موسيقيا” فإنه يحمل خطوطا لتواصل جغرافية الإرهاب في مرحلة “الربيع العربي”، خصوصا مع تبني “داعش” للعملية ومع الروايات حول عمليات التجنيد عبر الانترنيت، والسيناريو الذي ظهر هو تذكير بحملة مشابهة انتشرت مع بداية الحرب السورية، فهناك مساحة خفية تعمل على تحريك بؤر الإرهاب، وهذا الشكل “البوليسي” الذي يبدو غير مقنع بقي رغم الزمن صورة دائمة لكل الحوادث التي ضربت مناطق في العالم.
بالتأكيد ليس هناك يد خفية على سياق المرويات الشعبية، لكن اللافت أن محاربة الإرهاب باتت استراتيجية دولية لإدارة “الخيبات” السياسية بعيدا عن الولايات المتحدة، وكان من الطبيعي بعد أن رسمت واشنطن كل مساحات تواجد التطرف من أفغانستان وصولا إلى الساحل الغربي لأفريقيا؛ أن تتشكل ظاهرة التشدد وفق تلك الخارطة من التوترات، فتخلف الحروب على الإرهاب تشكيلات أكثر تطرفا، بينما يتم رسم الصورة الأخيرة على أن “الاستبداد” هو القاعدة المولدة للتطرف.
في العراق وسوريا تم وضع الإرهاب كظاهرة مرافقة لشكل النظم السياسية، وعدد التصريحات الأمريكية بهذا الخصوص يصعب حصرها، وفي البلدين أيضا شكلت الولايات المتحدة تحالفا ضد الإرهاب، ولكن الأمر الهام أن هذه الحرب خلفت معسكرات معزولة لبقايا التنظيمات المتشددة، ومصطلح “بقايا” لا ينقل الصورة لتجمعات تمثل كتلا بشرية لا تعرف من العالم حولها سوى الصور التي بدأت بداعش وانتهت بأسوار لا يمكنها كسر التطرف.
ما أحدثته الحرب على الإرهاب لا يتعدى “توطنيه” في مساحات يمكنها أن تشكل حروبا مستقبلية، وهو “توطين” لثقافة خاصة في مناطق النزاع، ولكن كل الحروب على الإرهاب بقيت في المساحة الرمادية التي خلقتها العلاقات الدولية بعد أحداث الحادي عشر من أيلول 2001.