هاشتاغ _ نضال الخضري
قصة التركي الذي اعتدى على مسنة سورية تلخص مسارا طويلا للأزمة السورية؛ يتجاوز السياسة والقضايا الإنسانية ويتجه نحو الشكل الاجتماعي الذي حاصرنا أنفسنا داخله.
فنحن بالذات من خلق سرديات العنف التي جعلت أي اعتداء علينا أمر هامشي، وخلق تصورات عن سوريا على أنها تجمعات لاجئين هائمين في دول الجوار، وهذا المسار للأزمة يعاكس طبيعة الحياة لأنه يفرض علينا كل يوم شكلا غير مألوف للقسوة.
أصبح الماضي بالنسبة لنا برّاقا أمام المشاهدات وربما التقارير التي “تحدثنا عن أنفسنا”، فنبدو كطيف على صفحة الحاضر ينتظر مشهدا جديدا للخواء الذي يقذفنا إلى قعر جديد كل يوم.
باتت كتابة قصة جديدة عن قتامة الحياة أمرا سهلا أمام موسوعة رتبناها بأنفسنا منذ اللحظة التي اعتقدنا أن أي “سردية” يمكن أن تنقذنا، فـ”سرديات” الأزمة ما تزال تحرض الخيال لمزيد من العقوبات وربما التطرف والابتعاد عن خلق عالم جديد لسوريا.
كان الأمس أكثر إشراقا أو هكذا يعتقد الكثيرون ممن عايشوا تفاصيل الأزمة، وسيكون الغد أكثر قتامة وفق التنبؤات التي يحملها البعض من خبرة معايشة التفاصيل على امتداد أكثر من عقد كامل.
في المقابل، فإن المسنة السورية التي تعرضت للاعتداء لا تدفعنا لرؤية أنفسنا من جديد، فيكفي أن المعتدي تم اعتقاله وكأن الأمر حادثة جنائية.
ودون النظر إلى هذا الشكل في التفكير الذي يريد اعتياد اللجوء والهجرة، وبناء ثقافة لم تبدأ بـ”ضبوا الشناتي” وربما لن تنتهي بالمشاهد القاسية للعجوز المسنة.
المسألة السورية اليوم تبدأ من هذه المسنة كرمزية على كسر ثقافة عامة في مراقبة الحدث ثم التنبؤ بالأسوأ، فهي مرآة للتفكير بسوريا على شاكلة “آخر الزمان” وأن “ما أصلح أول الأزمة يصلح آخرها” و “اقتراب الساعة”، وأخيرا رحلة البحث عن الخلاص في بقاع الأرض.
إن كسر نمطية التفكير يصبح أولوية ونحن نشاهد ونسمع كل سرديات الحرب واللجوء وأخبار “اللجنة الدستورية”. فالمسنة التي تعرضت لاعتداء ليست حالة استثنائية، وبدون أي رواية يتداولها الإعلام نحن نعتدي على أنفسنا باعتياد هذا التفكير النمطي.
ليس هناك نهايات سياسية لأي أزمات، فما ينتهي بحلول سياسية سيبقى قابلا للاشتعال من جديد دون “نهايات اجتماعية”، وابتكار مصالحة ذاتية تجعل العلاقات مختلفة.
حينها تبدأ حالة اللجوء بالتقلص وتنتهي معها إمكانية الاعتداء بالمعنى المجازي وليس بالشكل “الصادم” الذي نشاهده يوميا، وعندها ربما تتغير التنبؤات ويصبح الماضي أقل بريقا دون أن يعني تبدل القادم ليصبح “الفردوس المفقود”.
لا نحتاج لسردية جديدة لتفاصيل الأزمة، إنما لرواية سورية تكسر التفكير بأننا امتداد الماضي، وأبناء قصص الحرب فقط.
ثمّة “إبداع” متروك في فراغ حياتنا ينتظر قفزة فوق كل السرديات والصور التي لن تنتهي بالعجوز التي تعرضت للاعتداء، فالنهاية الحقيقية هي بداية الخروج من تفكير عالق في الحدث إلى آخر قادر على خلق عالم مختلف لسوريا.