هاشتاغ – (رغد البني – ألمانيا)
عشر ساعات من آلام المخاض عانتها “أمل” لتكحل عينيها بطفل جديد أسمته “محمد”، وذلك بعد أن سحبت دائرة الرعاية الاجتماعية في السويد أولادها الأربعة الأكبر سناً.
ما أن وضعت الأم حملها الخامس “الأصعب بين ولاداتها جميعا” حتى دخل موظفو الرعاية الاجتماعية في السويد أو ما يطلق عليهم “السوسيال” ليأخذوا الرضيع، فلم يره الأهل إلا عقب خمسة أشهر بعد تنسيق زيارة مع دائرة الرعاية الاجتماعية.
يتحدث الأب دياب طلال عن هذه الزيارة بالقول: حينما حملنا رضيعنا بكي، فاعتبر موظفو السوسيال أنها إشارة لكون الأهل لا يعرفون حتى كيف يحملون ابنهم ويهدؤونه، ذلك أنه سكت حينما حملته موظفة دائرة الرعاية الاجتماعية. مؤكداً أنه لم ير أولاده منذ أربع سنوات إلا من خلال صور بالأبيض والأسود يرسلها موظفو السوسيال له بين الحين والآخر، وأن دائرة الرعاية الاجتماعية أخبرته بأنها ستأخذ كل ولد جديد تنجبه زوجته كونهما لا يصلحان للتربية.
أعلى من سلطة القضاء:
التزم الأب دياب الصمت لعدة سنوات عن إبعاد أطفاله عنه وعن زوجته، نزولاً عند نصيحة الجالية السورية بعدم تصعيد الأمور مع دائرة رعاية الشباب “السوسيال”، إذ أن سلطتها كما قالوا له أعلى من سلطة القانون، ولما يئس من استعادة أبنائه خرج بفيديوهات عديدة على منصات التواصل الاجتماعي وهو يتحدث عن قصته.
يقول دياب: بدأت القصة عندما كانت زوجتي تبكي في غرف غسل الثياب في نزل اللاجئين التي يديرها السوسيال، حيث رأتها الموظفة وأخبرت الدائرة التي تتبع لها، وتقرر أنها تعاني من الاكتئاب لتتفتح بعدها العيون على قضية الأطفال “كونهم يعيشون وفق هذا الوضع ضمن بيئة غير سليمة” كما قالت دائرة الرعاية الاجتماعية، وجرى التحقيق معهم، ولما كانت واحدة من بناته ( 7 سنوات) تعاني من ألم في ظهرها، ألح عليها الموظفون بالسؤال: من ضربك؟ فقالت: أن والدتها ضربتها على مؤخرتها.
من محمد إلى اندرياس:
لم تخلُ طريقة سحب الأطفال من الحيلة، فالسوسيال دعوا الأهل للحديث معهم حول قضية الأطفال الذين تتراوح أعمارهم من أربع إلى تسع سنوات (3 بنات وصبي) قبل أن يأتيهم لاحقاً صبي أخر ذكرنا قصته في البداية، وأُدخل الأطفال إلى غرفة ملاصقة لغرفة الاجتماع مع الأهل ليلعبوا، وفي نهاية الحديث تركت الموظفة الأهل لفترة في المكتب، فما كان من الأب إلا أن فتح باب غرفة الألعاب ليتفقد أولاده، لكنه لم ير أحدا منهم، فالغرفة لها باب خلفي آخر، أُخرج منه الأطفال لينضموا لغيرهم، ولم ير الأهل أولادهم بعد ذلك إلا على فترات متقطعة ولمدة لا تتجاوز ساعة.
يقول الأب: “كان أطفالي يبكون حينما يروني ويسألوني لماذا تركتنا، لكن السوسيال يقول إنهم يبكون كونهم خائفين من أهلهم، وفي النهاية تقرر توزيعهم على عائلات سويدية تكفلت بتربيتهم، بحيث توزع كل طفلين على عائلة، أما الرضيع فأخذته عائلة ثالثة وغيروا اسمه من محمد إلى أندرياس”.
وقبل ذلك نقلت صحيفة اكسبريس السويدية قصة أم قالت إن اسمها زهرة (اسم مستعار) حيث سحبت دائرة الرعاية الاجتماعية أيضاً أطفالها الثمانية لأسباب تتعلق بسوء رعاية الأم والأب وفقاً للصحيفة، لتهرب الابنة الكبرى (12 عاما) من الدائرة قبل أن تعلن الشرطة السويدية لاحقا العثور عليها.
أما الأم التي كانت حامل أيضاً بابنها التاسع فاختفت عن الأنظار وهربت وهي في شهرها التاسع ولم يعرف أين هي.
فيما تبدو قصة حسان السكري وكأنها سيناريو لفيلم، حيث ركضت زوجته على الثلج وهي تدفع موظفي السوسيال المعززين بعناصر من الشرطة عن أولادها وتصرخ بصوت عالي، لتوقعها واحدة من الشرطيات لاحقا على الأرض في فيديو رصده شبان سوريون كانوا على مقربة من الحادثة. فيما تتهم الشرطة السويدية الأهل بتعنيف أولادهم والشجار فيما بينهم على مرأى منهم.
أما الأب فكان قد اعترف بأنه قليل الإنفاق على أولاده بسبب إمكانياته المادية المحدودة كونه لا يحمل إقامة، مبيناً أن المساعدات التي يتلقاها من الجكومة السويدية لا تؤهله ليرفع مستوى معيشة أطفاله أكثر من ذلك. وهذا ما لا تتساهل به دائرة الرعاية الاجتماعية أبدا.
“ساعدوني”:
في مقطع فيديو مؤثر، يظهر الطفل الحلبي موسى الجمعو وهو يبكي بحرقة ويقول إنه لم يفرح مرة في حياته، وإن السوسيال لا يسمحون له برؤية أهله، مستنجداً: “ساعدوني يا عالم يا ناس”.
وانتشر قبل وقت قصير منشور لأب سوري على “فيسبوك” أرفقه بصورته مع ابنته، حيث كتب باللهجة المحكية مخاطبا أولاده: “مابنسى كيف سحبكم السوسيال مني، وكيف كنتوا عم تبكوا وكامشيني من تيابي وعم تصرخوا و تقولولن انكم ما بدكن تروحوا معن. سامحوني لأني اول مرة بتشوفوني ضعيف وما قدرت أعمل شي !!! فكرت يا بابا إنو هيدي البلد ما بينظلم فيها حدا بس طلعت غلطان”.
وختم الأب رسالته بالتأكيد على أن مستشار القاضي الذي حكم في قضية ابنتيه، رفض إبعاد الأطفال، وكذلك رفضت المحامية التي وكلها السوسيال نفسه إبعادهم، لكن الكلمة النهائية هي لصالح السوسيال كما يقول.
لدى مراجعتنا لقانون رعاية الشباب السويدي (LVU) لحظنا أن القانون أعطى صلاحيات كبيرة لمجلس الرعاية الاجتماعية الذي يديره (السوسيال)، إذ يجوز له مالم تتخذ المحكمة المختصة قرارا بشأن رعاية الطفل، أن يقرر رعاية أي شخص يقل عمره عن 18 عاما، ولا يمكن حسب نص القانون انتظار اتخاذ التدابير من قبل السلطة المختصة، في ضوء المخاطر المترتبة على صحة الشاب أو نموه.
طفل حُرم من أمه.. لكنه شارك بدفنها
آخر قصة انتشرت حول سحب الأطفال من أهاليهم في السويد، جاءت بعد وفاة الأم المغربية “لينا الوهابي” قبل أيام وهي في الثلاثينات من عمرها، قهراً على سحب ابنها آدم ( 10 سنوات) منها، والبعض قال إنها انتحرت، كونها قالت في فيديوهات سجلتها سابقاً وهي تشرح قصة ابنها أنها تفكر بالانتحار، ولم يسمح “السوسيال” للطفل بالتواصل مع أمه إلا بعد أن صارت في الكفن، حيث شارك في دفنها وأهال التراب عليها، حسب مقطع فيديو صوره سوريون من موقع الدفن.
أما سبب سحب ابنها منها، فقد ذكرته قبل وفاتها في فيديوهات سجلتها في صفحتها الشخصية على “فيسبوك”، وحذفتها لاحقا، فهي كما تقول تعاني من ضغوطات نفسية واجتماعية تبعها تناول عقاقير طبية خاصة بالمرضى النفسيين، ومن هنا أوصى طبيبها النفسي المختص بأنها لا تصلح لتربية ابنها، فجاء قرار سحبه منها وإيداعه لدى عائلة أخرى تعتني به.
إحصائيات رسمية:
قصص سحب الأطفال من أهاليهم عديدة ولا يمكن الحديث عنها جميعا، إذ يكفي أن نستعين بالإحصائيات الرسمية الصادرة عن المركز السويدي للمعلومات، والتي تشير إلى أن 20 ألف طفل تقررت رعايتهم سنويا خارج منازل والديهم. وهذه الحالات لا تشمل سوريين فقط، بل جميع الجنسيات بما فيها السويدية رغم أن النسب في أوساط من يحملون خلفيات مهاجرة هي الأعلى، تبعاً لكون العرب جديدين على البلاد، كما تقول الأخصائية الاجتماعية في السويد “صفاء. ع” لموقع “هاشتاغ” وهم لا يعرفون القوانين ولا الأساليب الواجب مراعاتها في تربية أبنائهم، فيما يحدد قانون رعاية الشباب الحالات التي يحق بموجبها لدائرة الخدمات الاجتماعية رعاية الأطفال بدلاً عن والديهم، وهي: وجود خطر كبير يتمثل في تعرض صحة الشاب أو نموه للأذى بسبب سوء المعاملة الجسدية أو العقلية أو القصور في الرعاية أو وجود وضع غير سليم في المنزل. كما تتقرر الرعاية إذا كان الشاب نفسه يعرض صحته أو نموه لخطر كبير جراء تعاطي مواد مدمنة أو نشاط إجرامي أو أي سلوك آخر مدمر اجتماعيا.
“أوقفوا خطف أطفالنا”:
أمام قوة مؤسسة السوسيال، لم يجد السوريون وسيلة يعترضون فيها على قراراته إلا بوقفات احتجاجية أمام البرلمان السويدي في ستوكهولم رافعين شعار “أوقفوا خطف أطفالنا” باللغات العربية والإنكليزية والسويدية مع مناشدة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة للتدخل.
تقول المرشدة الاجتماعية السورية “صفاء. ع” والتي تخشى ذكر اسمها: لا ننكر أن هناك أسباب، لكن الأسباب بنظر العرب الذين يجهلون القوانين لا تكون وجيهة، فمثلاً يحق لطبيب الأسنان أن يبلغ السوسيال عن إهمال بحق الطفل إن كانت أسنانه منخورة. وأيضاُ في المدارس فإن الإدارات لا تتساهل تجاه أهل يرسلون أطفالهم للمدرسة بثياب متسخة أو أظافر طويلة. وكذلك فإن شكوى الجيران من سماع أصوات شجار هو سبب كافي أيضاً لحرمان الأهل من رعاية أطفالهم، إضافة لأسباب جوهرية تتعلق بالعنف اللفظي والجسدي أو الإهمال أو الحرمان المادي.
“يروننا همج ومتخلفين”:
تبيّن المرشدة صفاء أن الجميع متخوف من قصص سحب الأطفال، وهناك استفسارات ومحاولات جدية من المهاجرين بشكل يومي لترك البلاد والهجرة لبلدان أخرى مثل مصر وتركيا والخليج ومصر وبريطانيا،
وتقترح الاختصاصية الاجتماعية إخضاع الأهالي المهاجرين لدورات تأهيلية تعلمهم كيفية التعامل السليم مع أطفالهم وتربيتهم وإطلاعهم على القوانين التي تخصهم، وذلك بدلاً من دفع أموال طائلة للعائلات البديلة التي تعبر عن رغبتها برعاية الطفل. معتبرةً أن الأخطاء واردة دائماَ، وهي تخص موظفي السوسيال كما تخص المهاجرين تماماً.. فمثلا انتشرت قبل عدة أعوام فضيحة عن طفل سوري لديه توحد، وهرب من دائرة الرعاية الاجتماعية ليسقط في النهر ويموت. وتختم بالقول: “هم يرونا همجا ومتخلفين وقادمين من بلدان ترى العنف أسلوب تربية، ومحاولات تحسين الصورة ضئيلة كون المجتمع السويدي غير منفتح، والاندماج مع الجنسيات المهاجرة في حدوده الدنيا، وليس مثل بقية دول الاتحاد الأوروبي التي أثبت اللاجئون فيها اندماجا كبيراً مثل ألمانيا”.
“ليلى والذئب”
من جهتها، ترى المرشدة التربوية زويا محفوض التي تقيم في ألمانيا، أن سحب الأطفال ليس عشوائياُ وإنما هناك أسباب جوهرية، لكن يراها بعض الأهالي غير مهمة، فدور رعاية الشباب تهتم بأن يكون لدى الطفل سرير ينام عليه وأن يلعب ويتناول طعاما صحيا، مع تقدير لرغباته واهتماماته وتنمية مواهب
ه والنقاش معه وفهمه نفسياً، وهذه الأمور لا تفهمها الكثير من العائلات غير المتعلمة، مؤكدةً أننا في مجتمع وزمن لم يعد ممكناً فيه التربية على طريقة الأجداد، وعلى طريقة أن يقول الطفل لوالده حاضر إن طلب منه كأس ماء عملا بالقاعدة العربية المتبعة في التربية: “الكبير يحن على الصغير، والصغير يحترم الكبير”، مبينةً أن الوضع مختلف تماما في أوروبا، والعلاقة بين الطرفين هي احترام متبادل، إذ يجدر بالأهل أن يحترموا الطفل ويقدرونه وليس فقط أن يعطفوا عليه.
ه والنقاش معه وفهمه نفسياً، وهذه الأمور لا تفهمها الكثير من العائلات غير المتعلمة، مؤكدةً أننا في مجتمع وزمن لم يعد ممكناً فيه التربية على طريقة الأجداد، وعلى طريقة أن يقول الطفل لوالده حاضر إن طلب منه كأس ماء عملا بالقاعدة العربية المتبعة في التربية: “الكبير يحن على الصغير، والصغير يحترم الكبير”، مبينةً أن الوضع مختلف تماما في أوروبا، والعلاقة بين الطرفين هي احترام متبادل، إذ يجدر بالأهل أن يحترموا الطفل ويقدرونه وليس فقط أن يعطفوا عليه.
ولم تنفِ محفوض أن العائلة من الناحية النظرية هي البيئة المثلى لتنشئة الطفل، لكنها لا تكون كذلك في حال كان الوالدان غير مؤهلين نفسيا واجتماعيا للقيام بواجباتهم تجاه أولادهم، منتقدةً طريقة تفكير السوريين تجاه دور رعاية الشباب، “فهم يتحدثون عنها وكأنهم يروون قصة ليلى والذئب، حيث يعتبر الكثير من العرب أن موظفي دور الرعاية الاجتماعية ذئاب تريد الانقضاض على أطفالهم، كما أن خوف بعضهم من دور رعاية الأطفال يجعلهم يرفضون حتى الاستشارة التي يقدمها المختصون، وهنا تتفاقم المشكلة، فالأهل لا يريدون فهم الطرق السليمة بالتعامل مع أطفالهم كما ويرفضون تدخل دور رعاية الشباب بأطفالهم، وبعضهم لشدة خوفه يترك أطفاله ليفعلوا ما يشاؤوا من حيث اللعب بالموبايلات في البيت لفترة طويلة أو غض النظر عن سلوكيات غير جيدة في الطفل”، ولا يعلم هؤلاء الأهالي حسب مخفوض أيضاً أن هذا التساهل تعتبره دور رعاية الشباب خطأ في التربية.
وتؤكد أن سحب الأطفال لا يكون عن عبث، لكن العرب يقللون من أهمية تصرفاتهم تجاه أولادهم، حيث يمنع في ألمانيا مثلا سهر الأطفال لأكثر من العاشرة ليلاً، وفي حال صدرت أصوات الأطفال بعد العاشرة في ألمانيا واشتكى أحد الجيران فيمكن أن يتسبب ذلك بسحب الطفل من أهله بعد عدة تنبيهات وليس سحبه بشكل فجائي. وتتحدث عن تجاربها مع الأطفال فتقول رأيت طفلا وكأنه ضرب على عينيه، ومن واجبي أن أضع ذلك في ملفه، وآخر عدواني لكن الأب يرفض الاعتراف بذلك، وفي حال فتح ملف هذا الطفل يوما ما بقضية تعنيف فيحق لدور رعاية الشباب أن تحصل على هذه المعلومات، وتؤكد أن الحكومة غير ممتنة لسحب الأطفال من أهلهم لأنها تتكلف على رعايتهم المادية والاجتماعية والنفسية كثيراً وهي لا تحيك المؤامرات ضد العرب كما يدعون.
وناشدت محفوض الأهل بعدم إنجاب أطفال ضمن بيئات غير صحية نفسيا وتوريثهم أمراض نفسية وخلق ذوات عدوانية داخلهم.
عبدوش: أتمنى تطبيق ذات القانون في سورية
المحامية السورية رهادة عبدوش لا تعارض من جانبها سياسة سحب الأطفال من أهلهم ضمن اشتراطات.
وتقول لـ “هاشتاغ”: تتضمن اتفاقية حقوق الطفل، حق الطفل بأسرة بديلة ورعاية وحماية لحقوقه في حال اليتم أو التشرد أو الإهمال أو العنف، وكل ذلك ضمن مصلحة الطفل الفضلى التي تعتبر من المبادىء الأساسية لاتفاقية حقوق الطفل.
أما الاشتراطات التي ذكرتها عبدوش، فهي رعاية وتدريب الأهل ليكونوا قادرين ومؤهلين لتربية أطفالهم، وأن يكون سحب الأطفال تحت عين الحكومة رسمياً و متابعة المختصين، وعلى فترات محددة وذلك حسب الجرم والفعل لا أن يكون مجحفا وبشكل أعمى، كما عبرت عن أمنيتها بأن ينفذ هذا القانون في سورية أيضاً.