شكلت علاقة طهران مع دمشق نقطة مفصلية في كل مراحل الأزمة السورية، فالمسألة لم تكن مجرد تشكّل أحلاف في شرقي المتوسط منذ انتصار الثورة الإيرانية قبل أربعة عقود.
هاشتاغ-رأي-مازن بلال
إنما اختلال توازن خلفه تحول إيران من دولة ذات بعد محلي مرتبط بضبط قوة في منطقة الخليج، وظهورها ضمن مساحة إقليمية بطموح مختلف يذهب نحو استحواذ إقليمي، فبعد أكثر من أربعين عاما على رحيل الشاه بقيت المنطقة عموما ضمن عملية ضبط للصراعات كما كان علية الحال قبل عام 1979.
عمليا كانت هناك مفاجأة إيرانية إن صح التعبير منذ فشل العراق في استنزاف الحكم الجديد في طهران، فالحرب العراقية – الإيرانية لم تكن مقدمة للتحولات العميقة التي شهدتها المنطقة، بل شكلت آلية لاستهلاك العلاقات التي سادت شرقي المتوسط منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وتبدو الأزمة السورية النموذج الأكثر ارتباطا بتكسر أشكال التوازن التي سادت المنطقة خلال عقود طويلة، فإيران لم تظهر على ساحة الأزمة بل كانت جزء منها، وبغض النظر عن كافة حالات التخوف الإقليمي وحتى الدولي من الدور الإيراني، إلا أن الحرب في سورية بدت كمحاولة عنيفة لتغيير حسابات طهران التي استطاعت ملأ الفراغ في العراق، فالوجود الأمريكي المستمر حتى اليوم لم يبدل من واقع استحواذ إيران على الدور العراقي في المنطقة.
في سورية لم يختلف الأمر كثيرا، فرغم علاقة دمشق القوية بطهران منذ انتصار الثورة الإسلامية، إلا أن المساحة السورية كانت أكثر حساسية لأنها مرتبطة بخلق قوس صراع يصب في عملية المواجهة مع “إسرائيل“، فهناك أمرين أساسيين في المساحة السورية:
– الأول هو رمزية دمشق بالنسبة للعلاقات العربية، فسورية لم تشكل تاريخيا خط مواجهة مع الهضبة الإيرانية كما كانت عليه بغداد خلال مراحل الحكم العثماني على سبيل المثال، وكانت دمشق في المرحلة الحاضرة عقدة الاتصال بين طهران والعالم العربي عبر الموضوع الفلسطيني، أو ما اصطلح تسميته بـ”محور المقاومة”.
تكرست رمزية دمشق في العقد الأول من القرن الحالي بعد حرب 2006، وظهر واضحا أن إيران استطاعت رسم خط استراتيجي داخل هذه الرمزية، فحزب الله لم يكن سوى تأكيد على قدرة النموذج الإيراني على الدخول في صلب معادلة الصراع، فحزب الله ليس أداة إيرانية إنما صورة للتحولات التي ظهرت نتيجة حضور طهران على ساحة شرقي المتوسط، وتواجده ضمن موقف دمشق الرافض لأسلوب التسوية المجانية مع “إسرائيل”.
– الأمر الثاني ظهر مع بداية الأزمة التي بدت ضمن بعدها الإقليمي مواجهة عربية – سورية، فعلقت عضوية دمشق في الجامعة العربية، وبدت دول الخليج حاضنة للتحركات المعادية للحكومة السورية، وكان الدور الإيراني في صلب المعادلة الجديدة، فالمسألة لم تكن بالنسبة لدمشق مجرد خيارات سياسية ما بين إيران والعالم العربي؛ إنما تحول عميق في الدور السوري وليس الإيراني.
هناك اشتباك إيراني في سورية حول طبيعة العلاقات الإقليمية ككل، أما دمشق فصراعها حول وضع هذا الاشتباك ضمن التوازن الدقيق لاستعادة موقعها، ورغم أن الأمر يبدو حالة أعلى مرتبطة بالتفاهمات الدولية، إلا أن الخيار السوري سيحكم في النهاية نوعية التوازن، وهو توازن مرتبط بـ”خلق” سياسات سورية وليس لطبيعة الاشتباك الإيراني في المنطقة، وخلق هذه السياسات سيضع مساحات مختلفة وجديدة ليس لحل الأزمة السورية بل أيضا لأشكال العلاقات الإقليمية.