الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارالإكراه الاقتصادي بين التدابير الانفرادية والعقوبات الأممية (الحلقة الثانية)

الإكراه الاقتصادي بين التدابير الانفرادية والعقوبات الأممية (الحلقة الثانية)

هاشتاغ-د. عصام التكروري

تفترس التماسيح الغزلان بشراهة لا تعادلها إلا غزارة الدموع التي تسيل من عينيها، هذه الدموع غالباً ما تمتزج بدماء الفريسة فتبدو التماسيح وكأنها تبكي دماً على فعلٍ أجبرتها ظروف خارجة عن إرادتها على ارتكابه.
لو أرادت تلك التماسيح أن تبرر فعلتها تلك فما عليها إلا أن توظّف فريقا إعلاميا تابعا لوكالة أممية أو إعلامية تسيطر عليها واشنطن، عندها ستحظى مقتلة الغزلان بتغطية برّاقة يمكن تلخيصها على الشكل التالي:”انطلاقا من الشعور بالمسؤولية تجاه التنوع البيئي، والقلق الذي يقضّ مضاجع التماسيح وهي ترى الغزلان تجتاز البحيرات العميقة فقد كان لا بد للتماسيح من أن تضطلع بمسؤوليتها الأخلاقية والتاريخية وتبادر إلى حماية الغزلان من الغرق بنقلها إلى الضفة الأخرى بعد إقامة آمنة في بطونها”.
هذا باختصار التعريف الذي يمكن أن أقدمه شخصياً لمفهوم الإكراه الاقتصادي، تعريفي هذا يستند إلى النتائج التي أسفرَ عنها تطبيق الإكراه الاقتصادي سواء بشكله “الشرعي” الذي يتم وفق الإجراءات المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة (برنامج النفط مقابل الغذاء نموذجا)، أم بشكله غير الشرعي ومثاله التدابير الاقتصادية الانفرادية تلك التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على عدد من الدول منها سوريا بمسمى قانون قيصر وملحقاته.
مما تقدم، ومن ما عالجناه في الحلقة الأولى من هذه السلسلة (الإكراه الاقتصادي: الحصار القاري الفرنسي: البابا في سجون نابليون” 1809 ـ 1814″) يمكن تعريف الإكراه الاقتصادي بأنّه جملة من الإجراءات التي يتم اتخاذها أما من قبل الأمم المتحدة أو من أية دولة أو مجموعة دول في مواجهة دولة أو أكثر بهدف الضغط عليها اقتصاديا إلى الحدّ الذي يجبرها على تقديم تنازلات سياسية أو اقتصادية لمصلحة الطرف أو الأطراف التي فرضت تلك الإجراءات.
من هذا التعريف نستنتج أنه يتم فرض الإكراه الاقتصادي بآليتين:
الآلية الأولى توصف أنها شرعية كونها ناتجة عن عمل جماعي يتوافق مع ميثاق الأمم المتحدة، وتتمخض عنه “عقوبات الاقتصادية أممية” يفرضها مجلس الأمن بوصفها إحدى التدابير المنصوص عليها في الميثاق ويكون هدفها الحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.
أما الآلية الثانية فتوصف أنها غير شرعية، وتكون بـ “التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب” المفروضة من الدول بغية تحقيق جملة من الأهداف -سياسية بغالبيتها- تخدم مصالحها الوطنية الخاصة.
وعليه، فإنَّ العقوبات الاقتصادية الأممية هي تدابير زجرية نصّ عليها الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وخوّل مجلس الأمن منفردا صلاحية فرضها كتدابير تمهيدية تسبق العمل العسكري، وتُفرض في حالات تهديد السلم الدولي أو الإخلال به، أو في حالة وقوع العدوان، إذ بحسب المواد 39 40 و 41 42 من الميثاق يقرر مجلس الأمن التدابير التي لا تتطلب استخدام القوات المسلحة لتنفيذ قراراته الهادفة لاستعادة الأمن والسلم الدوليين، وذلك بعد استنفاد سُبل الوساطة بين المتنازعين، ويكون من بين هذه التدابير “وقف الصلات الاقتصادية والمواصلات الحديدية والبحرية والجوية والبريدية والبرقية واللاسلكية وغيرها من وسائل المواصلات وقفا جزئيا أو كليا وقطع العلاقات الدبلوماسية”، “ولمجلس الأمن أن يطلب إلى أعضاء “الأمم المتحدة” تطبيق هذه التدابير”.
مما تقدم يتضح أن ثمة شروط ثلاثة يتوجب أن تتوفر لفرض العقوبات الاقتصادية الأممية من قبل مجلس الأمن:
الشرط الأول: أن يعلن مجلس الأمن الدولي بقرار يصدر عنه أنَّ وضعاً معيناً بات يشكل تهديدا أو خرقا للأمن والسلم الدوليين، أو عملاً من أعمال العدوان وفق المادة 39 من الميثاق.
الشرط الثاني: أن يستنفد مجلس الأمن وسائل الوساطة لتسوية النزاع بين الأطراف المعنية.
الشرط الثالث: أن يتخذ مجلس الأمن قرارا يطلب فيه من الدول الأعضاء اتخاذ جملة من العقوبات الاقتصادية بحق الدولة أو الدول التي أعلن المجلس بقرار أن ما يصدر عنها من أفعال يشكل تهديدا أو خرقا للأمن والسلم الدوليين، أو عملاً من أعمال العدوان.
وثمة أمثلة عدة عن العقوبات الاقتصادية الأممية أبرزها تلك التي فرضها مجلس الأمن على روديسيا في عام 1966 وعشية إعلان الأقلية البيضاء للاستقلال من جانب واحد، استمرت هذه العقوبات حتى عام 1996، إذ رُفعت بعد مباحثات أدت إلى وصول حكومة أغلبية سوداء إلى الحكم.
الأمر نفسه حدث في جنوب إفريقيا فبدءاً من عام 1977 شرعت الأمم المتحدة باتخاذ سلسلة الإجراءات للضغط على نظام الأبارتايد في جنوب أفريقيا، وشملت تلك الإجراءات عقوبات اقتصادية استمرت حتى انتخاب وتنصيب حكومة غير عنصرية في جنوب إفريقيا في مايو/أيار 1994.
كذلك فإن إيران تعد من بين الدول التي ما زالت تخضع حتى تاريخه لعقوبات اقتصادية أممية إذ بموجب القرار رقم 1737 الصادر في كانون الثاني/يناير 2006 فرض مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حزمة من العقوبات الاقتصادية على إيران عقب رفضها لقرار المجلس رقم 1696 الصادر في يوليو/ تموز 2006 والذي طالبها بوقف برنامج تخصيب اليورانيوم.
إضافة إلى ذلك، خضعت إيران -وما زالت- إلى جملة من التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب التي فرضتها -ومازالت تفرض بعضها- الولايات المتحدة الأمريكية، إذ كانت الحزمة الأولى من هذه التدابير قد فُرضت في كانون الأول /نوفمبر 1979 بموجب الأمر التنفيذي رقم 12170 وجمدت بموجبها ما يقرب من 12 مليار دولار من الأصول الإيرانية، منها ودائع بنكية وذهب وممتلكات عدة أخرى، وفرضت حظرا اقتصاديا، هذه التدابير رُفعت في كانون الثاني / يناير 1981 بعد التوقيع على اتفاقية الجزائر التي ساومت فيها الولايات المتحدة على تحرير الرهائن.
الحزمة الثانية من هذه التدابير كانت عام 1987 بموجب الأمر التنفيذي رقم 12613 والذي فرض حظرا على استيراد السلع و الخدمات الإيرانية بناء على الادعاء بأنّ إيران تدعم الإرهاب الدولي وترتكب إجراءات عدوانية ضد الملاحة غير المعادية في الخليج العربي، وتم تشديد هذه التدابير في عام 1995 بموجب الأمر التنفيذي رقم 12957 الذي حظر على الشركات الأمريكية التورط بأي نوع من العلاقات مع شركة تنمية النفط في إيران لتشمل المؤسسات التي تتعامل مع الحكومة الإيرانية، وشُددت أيضا في العام 1997 بموجب الأمر التنفيذي رقم 13059 والذي حظر جميع أشكال التجارة والاستثمار في إيران من قبل المواطنين الأمريكيين. وفي عام 2001 وقع الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن “قانون تمديد العقوبات على إيران وليبيا” لمدة خمس سنوات.
الحزمة الثالثة من هذه التدابير كانت مع “قانون سحب الاستثمارات من إيران” الذي صدر في الأول من أيار عام 2010.
وفي أيلول 2010 حجرت واشنطن ـ بوساطة الأمر التنفيذي 13533 ـ ممتلكات بعض الأشخاص بحجة ارتكابهم انتهاكات خطرة لحقوق الإنسان/ كما فرضت وزارة الخزانة الأمريكية ـ في عام 2011 ـ عقوبات جديدة بحق 22 شركة إيرانية.
من الملاحظ أن التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران تستهدف استهدافا أساسيا استثمارات النفط والغاز والبتروكيمياويات، وصادرات منتجات النفط المكرر، وبرنامج الفضاء والطاقة النووية الإيرانية، وقيودًا على المعاملات البنكية والتأمينات (بما يشمل البنك المركزي الإيراني)، والشحن، وخدمات استضافة مواقع الويب للأغراض التجارية.
ولكن ماذا عن التدابير الاقتصادية القهرية أحادية الجانب المفروضة على سوريا؟
وإلى أي درجة تنتهك القرارات والمواثيق الدولية؟
ثم ألا يتعارض منع الدول من معاقبة غيرها من الدول مع مفهوم السيادة؟
في الحلقات القادمة سنستعرض هذه المواضيع وصولا لاقتراح جملة من الآليات لمواجهة تدابير الإكراه الاقتصادي المفروضة على سوريا.
مقالات ذات صلة