هاشتاغ – حسن عيسى
شهدت سوريا، بعد سقوط نظام الأسد في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تحولات جذرية في المشهد الاقتصادي والمصرفي، إذ برزت الحاجة الملحة إلى إعادة هيكلة القطاع المصرفي وضبط سعر الصرف لضمان استقرار الاقتصاد.
ومع تعيين قيادة جديدة لمصرف سوريا المركزي، بدأ العمل على سلسلة من الإجراءات الاقتصادية التي كان من المفترض أن تسهم في ضبط الأسواق المالية، لكن فعاليتها لا تزال موضع تساؤل.
من بين هذه الإجراءات، أعلن المركزي في 17 كانون الأول/ ديسمبر 2024 عن نشرة تثبيت سعر الصرف الدولار، بهدف تقليص الفجوة بين السعر الرسمي والسوق السوداء وتعزيز الشفافية في المعاملات المالية.
كما أصدر المصرف بياناً يؤكد استمرار عمل المؤسسات المالية وسلامة أموال المودعين، إضافة إلى قرار يقضي بتجميد حسابات بعض الأفراد والشركات المرتبطين بالنظام السابق، ضمن جهود مكافحة الفساد واستعادة الأموال المنهوبة.
وتم مؤخراً إعادة تشغيل أجهزة الصراف الآلي وتفعيل خدمات الدفع الإلكتروني، كما تم إلغاء منصة تمويل المستوردات لمنح التجار حرية أكبر في تمويل وارداتهم، بشرط الالتزام بقوانين مكافحة غسيل الأموال.
قرارات بلا نتيجة
رغم هذه القرارات، يرى الخبير المصرفي عامر شهدا في حديثه لـ “هاشتاغ” أن الإجراءات التي اتخذها مصرف سوريا المركزي لم تؤدِ إلى استقرار الليرة بسبب غياب الرقابة الفعالة على حركة النقد.
وأشار إلى أن سياسة حبس السيولة التي ينتهجها المركزي كان يُفترض أن تؤدي إلى استقرار سعر الصرف وفقاً للنشرة الرسمية، إلا أن النتائج على أرض الواقع تعكس العكس تماماً، حيث ارتفع التضخم وتفاقمت البطالة بسبب الركود الاقتصادي.
وأضاف شهدا أن قرار المصرف المركزي بشراء وبيع العملات الأجنبية جاء دون توضيح لآلية تطبيقه، وهو ما يثير تساؤلات حول مدى قدرة المصرف على التحكم بالسوق النقدية في ظل غياب احتياطي قوي من العملات الأجنبية.
كما أشار إلى أن هناك خللاً في منهجية تحرير أسعار الصرف، إذ إن هذه العملية تتطلب وجود أركان أساسية مثل بناء احتياطي نقدي قوي، وإتاحة خيارات مرنة للبنوك المحلية في التعامل مع الحوالات الخارجية، وضبط الأسواق المالية، وهي عوامل غائبة حتى الآن.
ولفت شهدا إلى انتشار ظاهرة “البسطات” التي تعمل في الصرافة بشكل غير رسمي وخارج سيطرة المصرف المركزي، مما يزيد من الضبابية في السوق النقدية، ويطرح تساؤلات حول مصادر تمويل هذه الجهات ومدى ارتباطها بسياسات المصرف المركزي نفسه.
تحرير سعر الصرف
أكد شهدا أن تحرير سعر الصرف يجب أن يكون مقترناً بسياسات اقتصادية داعمة للنمو، مثل تعزيز التصدير وتخفيض تكاليف الإنتاج وتحفيز الاستثمار، لكن غياب هذه السياسات يجعل من انخفاض سعر الصرف عبئاً على الاقتصاد بدلاً من أن يكون محفزاً له.
وأضاف أن أحد أكبر التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في سوريا هو تراجع ثقة المواطنين بالمصارف، حيث فقدت الادخارات الأسرية 400% من قيمتها خلال السنوات الماضية، مما دفع الأفراد إلى الامتناع عن الإيداع في البنوك واللجوء إلى الاحتفاظ بالسيولة على شكل ذهب أو عملات أجنبية في المنازل.
بدوره أدى هذا الأمر إلى شح السيولة المتاحة للمصارف، بحسب الخبير المصرفي، مما قلل من قدرتها على تقديم القروض والتمويلات اللازمة لإنعاش السوق والاستثمارات.
سياسة “فقيرة”!
في ظل هذه الظروف، يرى شهدا أن القرارات المصرفية الحالية لا تزال تفتقر إلى رؤية اقتصادية شاملة، إذ تعتمد في معظمها على سياسة انكماشية تهدف إلى الحد من التضخم دون معالجة الأسباب الحقيقية للأزمة.
ويؤكد أن أي محاولة لتحرير السوق المالية يجب أن تترافق مع إصلاحات أعمق في البنية الاقتصادية، تشمل تحفيز الإنتاج، ودعم قطاع التصدير، وتحسين البيئة الاستثمارية، وإعادة بناء الثقة في المصارف.