الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةكلام الناسالاقتصاد السوري و"أثر الكوبرا"

الاقتصاد السوري و”أثر الكوبرا”

هاشتاغ – أيهم أسد

عندما حاول الاحتلال البريطاني في الهند القضاء على الأعداد الكبيرة من أفاعي الكوبرا المنتشرة في البلاد، قام بتقديم مكافآت مالية مجزية لكل من يقتل أفعى كوبرا ويقدمها لسلطات الاحتلال، فبدأ الناس بقتل الأفاعي من أجل الحصول على المكافآت المجزية.

ولكن طمعاً في تلك المكافآت بدأ الكثير من الناس بتربية أفاعي الكوبرا ومن ثم قتلها من أجل بيعها مجدداً، وعندما اكتشف البريطانيون الأمر أوقفوا صرف المكافآت المالية لمن يقتل الأفاعي. أصبحت الأفاعي فجأة بلا قيمة، فأطلقها أصحابها مجدداً في الشوارع، الأمر الذي ضاعف أعداد الكوبرا أكثر من قبل وعقد حل المشكلة أكثر.

معنى ذلك أن تلك السياسة لحل المشكلة ولدت آثاراً جانبية كانت أكبر بكثير من وجود المشكلة ذاتها.

يحدث “أثر الكوبرا” في الاقتصاد عند محاولة حل مشكلة فيزيد الحل المشكلة سوءاً، ويدل ذلك المصطلح على النتائج غير المباشرة لحل المشكلة والتي تخرج عن سيطرة صانع الحل، وينعكس ذلك الأثر في علم التخطيط بعبارة شديدة الإيجاز تقول “إن من يفشل في التخطيط إنما يخطط للفشل”.

ولو أخذنا أحد أوضح الأمثلة على “أثر الكوبرا” في الاقتصاد السوري لوجدنا أن ملف الدعم هو أهمها، فالحكومات السورية المتعاقبة كانت وما زالت تتسبب بمزيد من المشكلات الاقتصادية والآثار الاجتماعية والسياسية السلبية في كل مرة كانت تحاول فيها حل مشكلات ذلك الملف.

باختصار شديد “لقد أصبح الحل هو المشكلة”.

ويعود السبب في ذلك أن التعامل مع ملف الدعم كان وما يزال تعامل مالي بحت، فالهاجس الوحيد من وجهة نظر الحكومات السورية هو تقليل التكاليف المالية لكتلة الدعم التي تقدمها للمواطنين تحت ذريعة معالجة عجز الموازنة العامة للدولة.

لكن وخلال حل تلك المشكلة لم تعمل الحكومات المتعاقبة تاريخياً على:

أولاً: حل مشكلات الإنتاج الحقيقي وتحديداً الزراعي والصناعي منه، واللذين كانا قادرين لوحدهما؛ ومن خلال ما يحققانه من إيرادات، على حمل تكاليف الدعم أياً كانت قيمتها (ملف الاقتصاد الحقيقي).

ثانياً: حل مشكلات التهرب الضريبي والتي تعتبر قيمته كافية للمحافظة على الدعم بطريقة أفضل مما هو عليه الآن بكثير (الملف الضريبي).

ثالثاً: حل مشكلات القطاع العام من خلال إصلاحه اقتصادياً وإدارياً إصلاحاً حقيقياً كي يتحول إلى قطاع منتج بدلاً من أن يتحول إلى عبء على الحكومة والمواطن (ملف الإصلاح الاقتصادي والإداري).

رابعاً: حل مشكلة الفساد العميق الذي يضغط على ثروات البلاد ويحرف السياسات الاقتصادية عن مسارها الحقيقي ولا يعطي نتائجها (ملف الفساد)

خامساً: حل مشكلة الحد الأدنى من الأجور بما يتوافق مع تأمين الكرامة الإنسانية لفئات واسعة من المواطنين بما يكفله الدستور ذاته (ملف الأجور).

سادساً: حل مشكلة موارد الطاقة الناضبة من خلال توليد بدائل من الطاقات المتجددة قادرة على تأمين بديل جزئي للطاقة عندما ينضب النفط والغاز (ملف الطاقات البديلة).

فلو حلت الحكومات المتعاقبة كل مشكلات الملفات السابقة لما احتاجت للتعاطي مع ملف الدعم بهذه العقلية المالية البحتة ولما لوصلنا للآثار السلبية الجانبية التي وصلنا إليها اليوم.

وبالتالي عندما تفشل الحكومات في التعاطي جوهرياً مع تلك الملفات وتلجأ إلى التفكير المالي البحت وتبحث عن مبررات له بأي طريقة وأي رقم، سوف تتعقد المشكلة أكثر وأكثر وسوف تتطور نتائجها إلى نتائج اقتصادية واجتماعية وسياسية سلبية.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة