هاشتاغ – أيهم أسد
تعني “الدولرة” في الأدبيات الاقتصادية التخلي كلياً أو جزئياً عن استخدام العملة الوطنية ضمن الاقتصاد واستبدال التعامل بالعملة الوطنية بالدولار أو أي عملة مقبولة دولياً كبديل عنها، وفي هذه الحالة تصبح العملة الأجنبية معتمدة قانونياً وقابلة للتعامل بها من قبل الأفراد والقطاعات الاقتصادية تسعيراً وبيعاً وشراءً واستثماراً، وبالتالي فإن “الدولرة” عملية علنية ورسمية تتبناها الحكومات بشكل واضح عندما ترغب بذلك ونتيجة لأوضاع اقتصادية خاصة.
وتحدث “الدولرة” عندما تتراجع قيمة العلمة الوطنية إلى مستويات غير مسبوقة وترتفع بالتالي معدلات التضخم بشكل كبير جداً، وعندها تفقد البنوك المركزية القدرة على ردم الفجوة بين العملة الوطنية والعملة الأجنبية وتفقد القدرة على مواجهة التضخم والسيطرة على النقد الوطني.
لكن “الدولرة” في نهاية المطاف تُفقد العملة الوطنية سيادتها الاقتصادية، وتربط الاقتصاد الوطني كله بالعملة الأجنبية، وتؤدي بالتدريج إلى انتهاء دور العملة الوطنية في التداول وبقاء وجودها شكلياً.
وإذ نظرنا اليوم إلى حالة الاقتصاد السوري، وعلى الرغم من عدم وجود أي توجه رسمي لـ”دولرة” الاقتصاد، نجد أن ما يحدث في الاقتصاد العملي/الواقعي لا يعدو كونه أكثر من “دولرة”، لكنها “دولرة” صامتة، “دولرة” ضمنية، “دولرة” غير معلنة، فقد تم إحلال الدولار محل العملة الوطنية بصمت.
ولكن كيف يحدث ذلك؟
يحدث ذلك عندما يقوم جميع المستوردين والمنتجين والتجار وأياً كانت مستورداتهم أو أنشطتهم الإنتاجية أو نوع تجارتهم بتسعير مستورداتهم وإنتاجهم ومبيعاتهم وفقاً لسعر الدولار وإعادة تحويل القيمة إلى العملة الوطنية بشكل يومي (تسعير السلع والخدمات).
ويحدث ذلك عندما يقوم كل ملاك وتجار العقارات والسيارات بتسعير ممتلكاتهم بالدولار ويقومون بتعديل تلك الأسعار يومياً حسب سعر الدولار ومن ثم يحولون قيمتها إلى الليرة السورية حسب سعر صرف الدولار (تسعير الأصول).
ويحدث ذلك عندما يقوم كل من يملك أي شيء قابل للتجارة بإعادة تسعيره بالدولار وتحويله إلى العملة الوطنية حسب سعر صرف الدولار (تسعير الممتلكات).
ويحدث ذلك عندما يقوم كل من استطاع من المواطنين التخلي عن الليرة السورية ولو بكميات قليلة وتحويل ما يملك إلى دولار كي يحافظ على قيمة ما يملك (الحفاظ على القيمة).
ويحدث ذلك عندما لا يستطيع البنك المركزي السيطرة على قيمة العملة الوطنية ويتحول إلى تابع لسوق الصرف غير الرسمي (فقدان السيطرة النقدية).
والنتيجة النهائية من كل ما سبق أن الأنشطة الاقتصادية كلها اليوم باتت مقومة بالدولار أولاً ولكن ضمناً ومحولة إلى العملة الوطنية حسب سعر صرف الدولار ثانياً ولكن علناً وأن الاقتصاد كله يتحرك على تحركات سعر الدولار.
أي أن هناك حالة ضمنية وغير معلنة وغير رسمية من التخلي عن العملة الوطنية أينما تسنى لأصحاب الأنشطة الاقتصادية وأصحاب الأصول والممتلكات ذلك، وأن الأساس في التقييم والتسعير هو الدولار وليس العملة الوطنية وأن الأساس لحفظ القيمة هو الدولار وليس العملة الوطنية.
أليس معنى ذلك أن “الدولرة” بدورها الوظيفي باتت حاصلة بفعل عمليات السوق الواقعية لا كسياسة نقدية رسمية، وأن مفعول العملة الوطنية في عمليات الإنتاج والتسعير والاستثمار بات شكلياً… أليس كذلك؟