هاشتاغ- رأي – أيهم أسد
يؤدي غياب “الرؤيا” في الاقتصاد، إلى ظهور موجات من ردود الأفعال تجاه مشكلات وقضايا اقتصادية واجتماعية يتم معالجتها والتعامل معها بشكل سريع وعفوي، وإذا اقتبسنا التشبيه الشعبي المعبر عن تلك الحالة فلن نجد أفضل من تعبير “الفزعة” لمواجهة تلك المشكلات، ففي لحظات الصفر وتخمّر المشكلة الاقتصادية/الاجتماعية؛ نستنفر، نجتمع، نقرر، نخطط، نمول، ننفذ، نراقب، نتابع، نحل المشكلة، نصفق، نغادر، وما أن نخطو قليلاً حتى نجد المشكلة أمامنا مجدداً.
يمكن لنا تحويل ذلك التشبيه العامي، وتلك الآلية في مواجهة المشكلات إلى لغة العلم والتخصص لنقول: إن ذلك المنهج في التعاطي مع المشكلات لا يتعدى “منهج المواجهة” أو منهج “الصراع” مع المشكلة، ويمكن الحديث عنه بلغة علوم التخطيط والتنمية بأنه لا يتعدى “سلوك الإطفائي” لا سلوك “الاستشرافي”، وكل تلك التسميات لا تدل إلا على معنى واحد فقط، هو أننا “نشتري أجهزة الإطفاء بعد اشتعال النار”، فلا نحن انتفعنا منها، ولا النار تركت لنا شيئاً.
تواجهنا مشكلة في التشغيل، فننطلق في معالجتها بعقلية “فزعة العمل” لنجد لاحقاً أن مشكلات سوق العمل ذاتها هي ذاتها.
تواجهنا مشكلة في الريف، فنخوض غمار حلها بعقلية “الفزعة التنموية”، لنكتشف لاحقاً بأن الريف بقي هو الريف بكل تفاصيله.
تواجهنا أزمة تصحر وجفاف، فنتعامل معها بعقلية “فزعة الإغاثة والمساعدات”، لندرك لاحقاً بأن التصحر والجفاف يلتهم أرضنا أكثر فأكثر.
تواجهنا أزمة سعر صرف، فنحاكيها بعقلية “الفزعة النقدية”، لنصل لاحقاً إلى مرحلة لا نسيطر فيها على قيمة العملة الوطنية.
ألا تذكرون معي فزعة مكافحة البطالة، وفزعة إصلاح القطاع العام، وفزعة محاربة الفساد، وفزعة تحديث الصناعة، وفزعة الضريبة على القيمة المضافة، وفزعة المنطقة الشمالية الشرقية، وفزعة توجيه الدعم لمستحقيه، وغيرها من فزعات الاقتصاد.
والأخطر من ذلك كله هو ظاهرة تعدد “الفزعات” وانفصالها عن بعضها البعض، فكل جهة “تفزع لوحدها” ولا علاقة لها بـ”فزعات” بقية الجهات، فحتى في هذه الحالة لنا خصوصية وفرادة.
نحن الآن نواجه مشكلة النقص الحاد في مصادر الطاقة التقليدية بالعقلية ذاتها، “عقلية الفزعة”، فزعتنا الآن نحو الطاقة الشمسية، لقد انتظرنا حتى ضاقت بنا الدنيا في مجال الطاقة التقليدية، وحتى هُدرت مواردنا النفطية استنزافاً وتهريباً، وعدم عدالة في التوزيع، لنحاول الآن اجتياز محنتنا بأقصى ما نملك من “فزعة” نحو الطاقة الشمسية والطاقات البديلة.
أتوقع الآن، وحسب عقلية “الفزعة” أننا سنجد أنفسنا بعد عشرات السنين أمام أزمة الطاقة نفسها، فلا الطاقات البديلة ستحل المشكلة، ولا الطاقات التقليدية عادت إلينا.
“عقلية الفزعة” لا تبني اقتصاداً … كل ما تفعله هو مجرد تدوير لمشكلاته عبر الزمن.