نضال الخضري
بعيداً عما تمثله الانتخابات من حالة سياسية، أو ما تقدمه من تمثيل سياسي ومؤشر عن واقع القوى الفاعلة في سوريا، فإن مسألة أخرى تبدو في الانتخابات الخاصة بمجلس الشعب تظهر صورة ضمن سياق ثقافي وليس سياسي، فبعد سنوات الحرب تبدلت بعض المظاهر الخاصة بالمرشحين، لكن هذا الأمر لم يغير من طريقة التفكير بالحملات الانتخابية، فعلى الرغم من أن “الخيم الانتخابية” التي غابت منذ بداية الأزمة، وتقلص مظاهر “البهرجة” التي كانت تتجلى في “العراضات” على سبيل المثال، فإن المرشحين اليوم لا يظهرون للعلن وفق حالة الصخب المعهود، فإن صورهم تغطي مساحات المدن بابتسامات وقار لم تغب منذ عقود.
لم يتبدل الاهتمام بـ”الصورة” الشخصية للمرشح على الرغم من تراجع الإنفاق على الحملات الانتخابية، فلابد من ابتسامة وخلفية ملونة، ويغطي الوجه بما يحمله من اهتمام أي شعار للحملة الانتخابية، بينما تبقى صفة المرشح هي الأهم في التعريف به قبل وضع اسمه بأحرف عريضة، فصفة الصناعي تُعفي المرشح من أي برنامج انتخابي، فهي إعلان عن “ملاءة” خاصة، وهذه الصفة لم تغب عن الحملات الانتخابية، وربما توازي سمة “الحجي” في الثقافة العامة التي تطرح مكانة بقيت سائدة لفترات طويلة من الزمن رمزاً للنزاهة وللمقدرة المالية.
في المقابل فإن الاهتمام بالصور فقط يظهر سمة شخصية، وربما ثقافة للعمل العام، فالصورة الشخصية التي تظهر على خلفيات ملونة تقدم مرشحين يمتلكون أناقة الظهور، فهو حضور ضمن حالة اجتماعية تؤكد مقدرة الحضور وفرض الذات من دون الحاجة إلى عناء إقناع الآخر بضرورة الانتخاب، فالصورة تطرح ضمن شكل ثقافي “فرض الذات” ولو لفترة محدودة، ورغبة في “النجومية” التي تنتهي مع انتهاء الحملات الانتخابية، لتعود الإعلانات الطرقية لسابق عهدها في الترويج للمنتجات الاستهلاكية.
الأمر الأساسي في الحملات الانتخابية أنها تبدأ وتنتهي بالصور، وبالحضور اللافت لعبارات منسية تستعير من تراث المدن؛ ابتداء من الياسمين وانتهاء بمظاهر الثقافة العالقة بين الانتماء لـ”الحارة” أو “الحي” أو غيرها، فهناك بانوراما تراثية حتى في خلفيات الصور الشخصية، فعندما تغيب الألوان تظهر معالم المدن، بشكل يوحي أن الانتخابات ليست تمثيلا سياسيا بقدر كونها مظهرا اجتماعيا – ثقافيا ينقل حالة ارتباط وثيقة بعلاقات اجتماعية أضيق بكثير من التعبير السياسي.
ليس هناك ضرورة للتذكير أن الانتخابات تخضع لتقسيمات خاصة، إذ تبقى فئة المستقلين وكأنها تعبير عن مساحة تعبير خارج السياسة، فالمستقلون يعبرون عن أنفسهم طالما أنهم بعيدون عن “البرامج السياسية”، وهذا المصطلح بذاته يشكل نوعا غريبا من “الإدانة” لتبني الأيدلوجيا، ففي العمل العام لا يمكن خلق استقلالية عن النظم الفكرية، لأنها تعطي الشكل النهائي للبرامج الانتخابية، وترسم خريطة داخل المصالح العامة.
المستقلون في النهاية هم الصورة الثقافية للعملية الانتخابية، لأنهم ينقلون طبيعة التنافس الاجتماعي، وليس السياسي، ويقدمون صورة تستحق القراءة بعد عقود طويلة من تجربة الانتخابات التشريعية.