الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةالانتظار في الحروب

الانتظار في الحروب

هاشتاغ- رأي: نضال الخضري

أعرف تماما كيف يتنقل أهل غزة في صحرائهم الواسعة، فبعد أقل من عام بقليل على الحرب أستطيع تقدير شبح الخوف الذي رسمته “إسرائيل” على ملامح الوجوه، وكيف غابت عن التغطيات الإعلامية مقاطع “الإصرار” على المقاومة، فالغزاويون لم يستسلموا لكن الحرب تشغلهم اليوم عن تأكيد عزمهم على البقاء، ونهاية سلسلة من العائلات جعلت من الكاميرات آلات عبثية تلاحق صور الموت التي لم تعد بنظر أهل غزة سوى عنوانا للرعب، فهناك أجيال غادرت الحياة بأقل من عام، وهناك أيضا وحشية يسكن فيها الغزاويون بعيداً عن التغطيات الإعلامية كلها.

البطل الحقيقي في هذه الحرب هم من رحلوا، وعندما يرحل “البطل” تصبح الدراما لا قيمة لها، وبهذه الصورة أفهم الحرب كانتظار طويل في محاولة البقاء، فلا الطائرات قادرة على رسم ملمح جديد، ولا المواجهات المتنقلة التي تسقط بعضا من الجنود “الإسرائيليين” تستطيع تغيير لعبة الانتظار في هذه الحرب، فالمسألة بأكملها باتت تفاوضا على أشلاء من رحلوا، أو من جعلتهم “الصدفة” وحدها على قيد الحياة.

في حرب غزة صور لن تتكرر في أي حروب أخرى، فلا الوحشية ولا السطوة الدولية التي تمنح “إسرائيل” حق الإبادة هي الجديدة في الموت المتنقل داخل قحط السياسة العربية، فهناك مسألة أخرى باتت جزءا من ثقافتنا بعد أشهر طويلة من العبث السياسي ولعبة الموت التي تحصدنا؛ إنها “العدمية” التي ستجعل الجميع يقرر الحياة وحيداً، ويترك كل ما ورثه من قيم متهالكة، أومن رغبة في الارتقاء وراءه، ففي امتحان هذه الحرب هناك اكتشاف بأن الدنيا ليست فانية؛ بل هي لعبة موت يخوضها الغزاويون نيابة عن الجميع كي تظهر “إسرائيل” صورة قاتمة لقدر محتوم.

تعلمني حرب غزة أننا تائهون ضمن لعبة الموت بانتظار الدور القادم لحرب ربما لا تختلف عما يحدث اليوم، لكنها ستخرج من غزة لمكان مختلف، وتجاهل ما يحدث اليوم عبر “مهرجانات الترفيه” سيتكرر في مكان آخر ليوهم الجميع أنهم قادرون على تناسي هذا التوحش الذي سيبقى بعيداً عنهم في تظاهرات الرقص والغناء، لكن الصور ستبقى لأنها باتت جزءاً من الجينات لمنطقة يهوى الجميع إشعال الحروب فيها، وأصوات رعب الأطفال لن تقف عن حدود المدن الفلسطينية، فهواة التدمير قادرون على نقل حروبهم إلى أبعد من فلسطين، ويتطبعون أيضاً بسطوة المال الذي يتناثر على النخب الثقافية التي تكتفي بـ”التأثر” بما يحدث.

مشكلتي، وربما مشكلة الجميع، أن صداع الحروب أصبح مستوطنا في الدماغ، وفي كل حالة “ترفيه” يقفز سريعاً كطفل يفزع من صوت الطائرات، ويحاول التمسك ببراءة انتهكتها عبثية بقاء الجميع خارج الموت الذي يحاصره، فمظاهر التحول الذي يخوضه البعيد خارج الحروب هي أكثر قسوة من الحرب بذاتها لأنها تخبر أطفال غزة، وأطفال المنطقة بأكملها، أن الموت محتم على بقعة واحدة، بينما سيبقى الآخرون في سبات “شتوي وصيفي” بانتظار وصول لعبة الحرب إلينا.

مقالات ذات صلة