هاشتاغ – أيهم أسد
يروى الأديب الراحل عبد السلام العجيلي في كتابه المعنون بـ”ذكريات أيام السياسة ، الجزء الأول ” أنه عندما بدأ المجلس النيابي بمناقشة الموازنة العامة للدولة لعام 1949 وقف نائب شاب من نواب المجلس وقال: إنه ومع احترامه لرئيس المجلس المسؤول عن وضع موازنة المجلس لكنه لا يمكنه الموافقة على محتوياتها لما فيها من تهافت وإسراف لا مبرر له.
لقد لاحظ ذلك النائب أن الموازنة رصدت مبلغ 2500 ليرة نفقات انتقال وصيانة لسيارة رئيس المجلس النيابي لكنه لاحظ في الوقت نفسه أن المبلغ المرصود لسيارة رئيس مجلس الوزراء هو مبلغ 1500 ليرة فقط، والمفروض أن سيارة رئيس الوزراء الذي يمثل السلطة التنفيذية مهيأة للتجول في كافة مناطق الدولة، بينما يقتصر تجول سيارة رئيس المجلس النيابي على مسيرها بين منزله في القصاع ومكتبه في طريق الصالحية.
وتساءل النائب الشاب:
هل يرضى النواب أن يوافقوا على موازنة فيها هذا الإسراف وهذا التباين في التقدير؟
ونتيجة لتلك الملاحظة أمر رئيس مجلس النواب حينها “فارس الخوري” إعادة ذلك البند إلى لجنة الموازنة لدراسة الأرقام الواردة فيه مجدداً.
أقرأ المزيد: حلمٌ مالي عمرهُ 20 عاماً
تشير تلك الحادثة، وفي سياقها التاريخي، إلى مدى ربط النفقات العامة باستخدامها، وبمدى تحديد استخدام آليات الحكومة ومراقبتها بدقة من قبل نواب الشعب، وبالتالي فهي تشير إلى مدى محاولة نواب البرلمان في الحفاظ على المال العام وبغض النظر عن من يقوم باستخدامه حفاظاً له من الهدر ولو كان بأقل قيمة.
تدفعنا هذه الواقعة التاريخية إلى الوقوف مطولاً اليوم عند المبدأ ذاته في إدارة المال العام، ألا وهو مبدأ كفاءة النفقة العامة ومدى دقة تقديرها من قبل واضعيها وذلك بغض النظر إن كانت تلك النفقة مخصصة لسيارة رئيس برلمان أو لسيارة رئيس وزراء أو لأي نفقة عامة أخرى يمكن للحكومة أن تخصصها لأي جهة عامة.
كما تدفعنا تلك الواقعة التاريخية أيضاً إلى التساؤل عن مدى معرفة نواب البرلمان اليوم بحقيقة واقع النفقات العامة الفعلية، وبمعرفة مدى الهدر الناتج في المال العام بسبب استخدامه في غير مكانه وبطرق مختلفة ومن قبل مستويات إدارة مسؤولة مختلفة وفي قطاعات مختلفة، وبالتالي معرفة مدى حرصهم على المال العام الذي هو مال الشعب.
أقرأ المزيد: من الاقتصادية العفوية إلى الاقتصادية العلمية
ببساطة شديدة هذا ما يمكن تسميته في إدارة المال العام باسم “الدور الوظيفي للنفقة العامة” فكل نفقة عامة يجب أن ترتبط بوظيفة دقيقة وواضحة ومحددة بحيث لا يمكن استغلالها تحت أي مسمى آخر ومن قبل أي شخص كان أو أي إدارة كانت.
لو يتسنى لنا اليوم معرفة كيف يناقش أعضاء مجلس الشعب السوري “الدور الوظيفي للنفقات العامة” قليلها وكثيرها؟ وكيف يحاورون الحكومة حول نفقاتها العامة؟ وكيف يحاسبون الحكومة على نتائج النفقات العامة؟
تلك الحادثة التاريخية التي رواها العجيلي في كتابه لا تعدو إلا أن تكون ملخصاً مكثفاً للمالية العامة صالحة لكل زمان ومكان، فهل من يعتبر؟