الخميس, أبريل 24, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارالبيئة السياسية والحكومة السورية

البيئة السياسية والحكومة السورية

هاشتاغ – رأي مازن بلال

 بعيدا عن التحليلات التي تحاول قراءة الحكومة السورية على ضوء التوازنات التي تحملها، وقدرتها على تمثيل الطيف الاجتماعي السوري، أو حتى استنادها إلى “هيئة تحرير الشام” التي احتفظ أعضاؤها بالحقائب السيادية، فإن الحكومة بذاتها ليست مسؤولة عن إدارة البلاد من النواحي الخدمية أو التنموية فقط، خصوصا في بلاد تشهد تحولا قاسيا وتحديات على مستوى سيادتها، فالمهمة السياسية تكتسب هنا أولوية في ظل هشاشة البيئة السياسية السورية.

 ما خسرته سوريا في هذه الحكومة التي تعد انتقالية وفق الإعلان الدستوري هو مسألة “التهيئة السياسية” كونها لا تحوي طيفا سياسيا، وجاءت على مستوى “تكنوقراط” فقط ما يجعلها بعيدة عن التنافس السياسي حتى في مسألة إنجاز أعمالها التنموية التي تحدث عنها الوزراء، فعلى الرغم من ضعف الأحزاب السورية، فإنها تشكل جزءا من التاريخ الحديث للدولة، وهي بصراعاتها حتى بعد عام 1963 شكلت الهوية السياسية لسوريا، ولا يمكن الاستناد اليوم إلى المهام التنموية فقط في الوزارات من دون البحث عن مسألة التنافس في البرامج السياسية التي تحمل رؤية الأحزاب.

 ما تعانيه سوريا اليوم على المستوى الوطني هو شطب التاريخ السياسي على حساب الطيف الاجتماعي الذي يحمل كل ما نسميه طوائف وأعراق، ففي سوريا ومنذ الاستقلال لم يكن “زعماء” الطوائف زعماء سياسيين كما في لبنان، فالأحزاب السياسية كسرت عمليا منذ الحرب ضد الانتداب الكثير من القواعد الحاكمة لمرحلة ما قبل الدولة، وأصبح طموح التمثيل السياسي أوسع بكثير من مسألة التمثيل الطائفي، وتركيبة البرلمانات السورية في الخمسينيات لم تكن تحوي الكثير من “الأعضاء الحزبيين”؛ لكن هذه القلة هي التي حركت البلاد باتجاه تطوير الدساتير وبناء الدولة.

 سوريا اليوم “منكوبة” على المستوى الوطني وذلك من الرؤية التي تحكم النظر إليها بمفهوم “الأقليات”، وعلى الرغم من أن هذا المفهوم يريد خلق تمثيل سياسي للجميع، فإنه يُخضع البلاد لحالة من “تجزئة” السيادة، بينما يمكن للأحزاب العريقة على الأقل كسر هذا المفهوم بوساطة البرامج السياسية العابرة لمفهوم الطوائف والأعراق.

 بالتأكيد لن تستطيع الحكومة الحالية دفع الحياة الحزبية بسهولة، لكنها أغلقت النافذة للحياة السياسية الجديدة نتيجة خشيتها من الصراعات التي يمكن أن تخلقها الأحزاب، وربما لعدم ثقتها بالتنافس السياسي، لكنها بذلك تعود إلى الصيغ الحكومية القديمة التي تحرم سوريا من التنوع السياسي وتترك للتنوع المناطقي الدور الرئيس لمستقبل البلاد.

 هناك تفسيرات متعددة لغياب “التمثيل السياسي” في الحكومة، ولكن القلق هو أن يكون غياب هذا الأمر قاعدة مقررة مسبقا لتقنين الحياة السياسية وجعلها ضمن الحد الأدنى وضمن ظرف يتطلب بلورة جامع وطني على أساس البرامج السياسية وليس وفق الرؤية التي تنظر إلى سوريا على أنها أقليات وأكثريات دينية وعرقية، فسيادة الدولة في ظل واقع الصراعات الإقليمية حول سوريا سيحتاج إلى التنافس السياسي بدلا من “التنافر” الذي تصاعد بعد مرحلة طويلة من تقنين الحياة السياسية.

مقالات ذات صلة