هاشتاغ-رأي-نضال الخضري
من لا “يترقب” فهو خارج الحياة، أو على الأقل هذا ما يوحيه الإعلام الذي يغير سمة الإنسان، وينسف التعريفات القديمة التي جعلته “حيوانا ناطقا” أو “عاقلا” أو غيرها، فنحن اليوم في حقبة “الترقب” التي لم تجعلنا مدمني أخبار بل أشخاصا تائهين داخل مساحة وطن يعيش حالات المراقبة الدائمة، والصدمات المتراكمة نتيجة خطأ التحليلات السياسية التي يهاجمنا بها الإعلام كل لحظة.
في مسألة “الترقب” وما يتبعها من حيطة وحذر تبدو “إسرائيل” هي الأكثر وقوعا في هذه الحالة على ذمة الإعلام، وهي على الرغم من ذلك لا يشلها هذا الأمر عن طرح “نشوتها” بقدرتها على جعل العالم بأسره “بترقب”، ويمارس هواية جعل مأساة الفلسطيني مسارا دراميا يدخل العالم في حلقات متتالية حول مصير “الضحية” ما بين التجويع أو “القتل المتعمد”.
فالانتظار ومتابعة المشهد لرؤية حلقة جديدة من التصعيد لا تمنع الموت، ولا توقف سيل التحليل السياسي والاستنفار العالمي فهناك مطاردة مستمرة للحدث الذي يتم خلقه عنوة وسط حالة الدمار في قطاع غزة.
هذا “الترقب” الطويل لا يمنع “إسرائيل” من استخدام “يدها الطويلة”؛ فوسط انتظار العالم الرد الإيراني يكسر الاحتلال التوقعات ويعتدي على سوريا، وهذا النوع من الأحداث مألوف لكنه يأتي اليوم في ظل “القلق” الدولي من رد إيراني.
وبهذه الصورة تنهي “إسرائيل” مساحة الغموض الذي يحيط بالحدث، ولو لساعات، وتمارس العنف خارج مساحة غزة؛ محاولة وضع صورة الاستنفار الدولي في مكان آخر، فتغيب صور الأطفال المنهكين في عشرة أشهر من الموت والدمار، وتظهر “ديناميكية إسرائيل” في التعامل مع الانتظار الإقليمي والدولي.
هذه المفارقة “الإسرائيلية” تخالف ما يقدمه الإعلام من صور التداخل السياسي والعسكري، فـ”إسرائيل” المنهكة تمارس حالة استعلاء إقليمي، وتخرج من الإطار المفروض على المشاهد الإعلامي، فتعتدي على سوريا في عملية ليس فيها اغتيال إنما “مباهاة” بالتفوق، فهي بحسب ما يقوله رئيس وزرائها لم تحظ بدعم عالمي في السابق كما يحدث اليوم، والمقابل لهذا التصريح السياسي هي ممارسة عنف آخر لتثبيت حالة العداء، ولإثبات أن “الترقب” لا يفيد فهو مخصص لوسائل الإعلام العربية التي تنتظر منذ عقود بعيدة حدثا جديدا في هذا الصراع.
لا أحد ينكر أن “إسرائيل” منهكة من أطول حرب شهدتها في تاريخها، لكنه إنهاك عبثي يخلق نوعاً من شد أعصاب العالم نحوها، وإعادة النظر في أن هناك بالفعل “منظومة” بحد ذاتها مهمتها جعلنا “نترقب” دائماً، وننتظر المحللين وهم يتحدثون عن عجزها على قهر حركة حماس أو غيرها، وفي المقابل فإن الحروب كما أوضحت حرب غزة هي العصب الذي يمنحها الحياة وسط خوف العالم عليها.
حرب غزة ليست مجرد “ترقب” لأنها بالفعل صورة لمنطقي تفكير يتواجهان ويتناقضان لكنهما في النهاية يقدمان ظاهرة تستفيد منها “إسرائيل”، فهي تملك ما تريده من العالم بينما في الطرف الآخر هناك “ترقب” وخوف من التصعيد والحرب الإقليمية إضافة إلى جيش إعلام يجعل من المسؤولين “الإسرائيليين” محوراً داخل حياتنا.