هاشتاغ سوريا – خاص – مالك معتوق
زعيمة العالم المتحضر وحليفاتها في الغرب الأوروبي يسابقون الزمن في محاولة لاحتواء تغول فيروس كورونا على مواطنيهم، وذلك بعد أن تحولت بلاد العم سام والقارة العجوز إلى بؤرة انتشار الوباء.
“خليكن بالبيت”, أغلقوا كل شيء، تعليمات تعم العالم بأَسره لمنع التواصل والتجمعات التي تشجع على انتقال فيروس كورونا الذي ينتشر بسرعة البرق مخلفا حصيلة مروعة في بعض البلدان، ومع ذلك تُثار تساؤلات كثيرة حول مدى التزام مواطني تلك الدول بالنصائح الحكومية المتكررة بالبقاء في المنازل وتطبيق التباعد الاجتماعي، فمن الملوم الحكومات أم شعوبها؟
“لن يصيبك”.. كانت هذه هي الرسالة العامة التي تناقلها البريطانيون حول فيروس كورونا، بينما كانت تستعد بلادهم لما هو أسوأ.. إقرأ التقارير الإعلامية في الصحف والمجلات وستلاحظ شيوع مقولة: يُشفى معظم الأشخاص من الفيروس، والوفيات تكون غالباً بين الأشخاص الذين يعانون من مشكلات صحية أساسية فقط.. ذلك رأي كُنتَ تسمعه باستمرار على مدار أسابيع في بريطانيا، بغية تهدئة وطمأنة المواطنين على ما يبدو.
في التاريخ كان الثلاثاء الـ 24 من آذار 2020.. وفي الحدث: استيقظ البريطانيون على قرار رئيس وزرائهم بوريس جونسون بحظر التجمعات لأكثر من شخصين قبل أن يعود الرجل ويفرض قيوداً صارمة تمثلت في إغلاق الحانات والمطاعم والمسارح ودور السينما والمراكز الرياضية، في مسعى لكبح جماح كورونا المستجد..
وجه جونسون رسالة للشعب البريطاني قال فيها: لابد أن تبقوا في المنازل.. وكرر وحذر من تكرار سيناريو إيطاليا المأساوي مع الفيروس في المملكة المتحدة.. قبل أن يشير إلى أن البلاد والعباد يواجهون أخطر تهديد تشهده بريطانيا منذ عقود.
أيام قليلة قبل قرار جونسون عنونت صحيفة لوباريزيان الفرنسية: “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يهدد جونسون” بإغلاق الحدود مع بريطانيا إذا تقاعس عن اتخاذ إجراءات أكثر صرامة لاحتواء تفشي فيروس كورونا، تبع ذلك اتخاذ جونسون الجمعة 20 آذار قراراً بإغلاق الحانات والمطاعم والمسارح ودور السينما وصالات الألعاب الرياضية لإبطاء التفشي المتسارع للوباء.
كان التردد البريطاني في اتخاذ الإجراءات المحتومة يثير التساؤلات، خصوصاً في ظل ما حدث ويحدث في الجارة إيطاليا, التي شهدت أول وفاة بسبب الفيروس في 21 شباط الماضي, واليوم خلال شهر و4 أيام فقط، تبدل وجه إيطاليا إلى غير رجعة حيث تشهد البلد الأكثر تأثراً بالفيروس، سيناريو كارثياً يثير مخاوف جميع الدول الأخرى، فقد خرجت العدوى عن السيطرة، في حين استنفدت المستشفيات إمكاناتها، وأحصت السلطات الإيطالية حتى الخميس 25 آذار 2020، نحو 70 ألف إصابة و6800 حالة وفاة بالإجمال.
اتسم رد الفعل الإيطالي الحكومي في البداية كما بريطانيا بالتردد والبطء، فبدأت السلطات بإغلاق المناطق الحمراء المصابة في الشمال، ومع استمرار التفشي بنسق متصاعد، تم إغلاق البلاد بأكملها يوم 9 آذار تبع ذلك تهديد المخالفين لقواعد الإغلاق بغرامة تصل لـ 232 يورو مع الحبس لـ 6 أشهر.
وبرغم ذلك بدت هذه التدابير سوريالية للعديد من الإيطاليين، حيث رصدت الشرطة الإيطالية مئات الآلاف من الخروقات للحظر، وقال مدير الصليب الأحمر الصيني الذي وصل إيطاليا للإسهام في جهود مكافحة كورونا: إن القواعد الإيطالية وهي الأكثر صرامة حتى الآن في أوروبا لم تكن صارمة بما يكفي لمواجهة الوباء.
ولا يمكن الدفع هنا بأن خطورة الوباء لم تكن قد اتضحت بالصورة الكاملة، فقبل أول وفاة بالفيروس في إيطاليا، كان العالم كله قد أدرك بالفعل أن هناك وباءً سريع الانتشار ولا يوجد له علاج ولا لقاح أصاب عشرات الآلاف وقتل الآلاف في الصين قبل أن ينتقل منها لإيران، وبالتالي لا يوجد منطق وراء تلك الرسائل المترددة ولا النصائح الحكومية غير الملزمة، فتلك الرسائل فسرها غالبية الناس ببساطة على أن الأمر لا ينطوي على خطورة كبيرة.
ولم يخطر ببال أي من الإيطاليين الستين مليوناً يوما بأنهم سيضطرون إلى التزام حجر منزلي صارم، لا أحد يدري متى سيُرفع، وأن الصمت سيلفُ البلد والمراكب سترسو على أرصفة فينيسيا حتى إشعار آخر، وأن زقزقة العصافير ستتردد في أرجاء روما وميلانو اللتان كانتا يوما مدينتان تضجان بالحياة.
أدخل كورونا إيطاليا غرفة الإنعاش، لكن اللافت أن كثيراً من الدول الأوروبية لم تتعلم الدرس مما حدث في إيطاليا، وماتزال إجراءاتها تتسم بالتردد والتأخر عشرات الخطوات خلف السرعة المربكة التي ينتشر بها الفيروس التاجي.
لا أحد يلتزم بنصيحة حكومية يقول نيك تشيتر أستاذ علم السلوك في كلية ويرويك للأعمال، ويفسر الرجل عدم التزام المواطنين في الدول الغربية بنصائح الحكومات بالبقاء في المنازل، بأن الرسائل الصادرة عن قادة تلك الدول كانت وما تزال مرتبكة جداً، فهم يغلقون المطاعم والمقاهي والمسارح والمدارس تدريجيا وعلى مدى أسابيع، ويناشدون الناس الإلتزام.
نصائح البقاء في المنازل للمساعدة في احتواء تفشي الوباء.
ويتابع، عندما توجه السلطات نصيحة هادئة للناس أن يفعلوا شيئاً ما، لا أظن أن عدم التزام الناس بتلك النصيحة يعتبر أمراً مستفزاً أو غير منطقي، قبل أن يعود ليضيف: إن الرسالة المبطنة هنا هي أن الأمر ليس ضرورياً أو حتمياً أو هاماً لهذه الدرجة، فلو كان الأمر بهذه الأهمية لما جاء في صورة نصيحة بل في صورة قانون مرتبط بعقوبة.. فلا أحد يقول لك أنصحك بعدم كسر إشارة المرور الحمراء، بل من نافلة القول: إنك إذا كسرت إشارة المرور، فأنت تخالف بذلك القانون وستعاقب.
بظهور فيروس كورونا، شرعت الألسن في جلد الصين بعبارات ورسومات ساخرة، فقد كانت الصين مسقط رأس الفيروس، وكانت تلك فرصة الغرب للكيد للصين في وسائل إعلامه، التي ظلت طوال العقدين الأخيرين تشن حربا بلا هوادة على العملاق الاقتصادي الأسيوي الصاعد “التنين الصيني” الذي يهدد ويزعزع سطوة الدول الغربية على السوق العالمي، وكانت السخرية سلاح شديد المضاء في التشكيك في صلاحية ونجاعة كل منتج ذي منشأ صيني، ومن ثم كان الاستخفاف بكورونا، فطالما أنها صينية المنبت فلا شك في أنها فالصو “شغل الصين” كما نقول في عاميتنا العربية الدارجة.
تعثرت الصين في بداية التعامل مع الوباء بالتكتم خلال كانون الثاني وشباط الماضيين، ثم نجحت في نهاية الأمر في آذار الجاري بالسيطرة على كورونا وحصلت على اعتراف العالم بتجاوز كارثة وصفها بعضهم بـ “تشرنوبل” الجديدة.
وفي هذا السياق تأتي المقارنة بين النصائح والإجراءات المترددة والمتأخرة التي تتخذها الحكومات الغربية وبين الإجراءات التي وُصفت بالاستبدادية التي اتخذتها الصين في مقاطعة هوبي ومدينة ووهان منشأ الفيروس القاتل..
“خليك في البيت” كان الشعار الذي رفعته الصين.. في ووهان مسقط رأس الفايروس التاجي حيث بقى ما يزيد على 60 مليون شخص في الحجر المنزلي، سواء استجابة لوازع ذاتي أو امتثالاً لأمر من السلطات التي هددت باعتقال أي شخص يخالف القواعد وفرضت رقابة مطلقة حتى داخل المنازل نفسها.
شيدت الحكومة الصينية عشرات المستشفيات المخصصة لضحايا كورونا في غضون أيام، وقامت برش الشوارع والمباني بمواد التعقيم، ولكن كل ذلك كان سيذهب أدراج الرياح “هباء منثورا” ما لم يتعاون المواطنون مع السلطات الرسمية.
انضباط الشعب الصيني واحترامه لدور الفرد والجماعة في العمل العام، كان العامل الحاسم في معركة كورونا.
خلاصة القول: إن تطويق كورونا وهزيمته لن تكون إلا بتضافر جهود جميع أبناء أمنا الأرض، ومن يقي نفسه شرور هذا الوباء، يخدم أسرته ومجتمعه ووطنه والبشرية جمعاء، فمهما فعلت وزارات الصحة هنا وهناك وعلى امتداد العالم فليس بيدها كسب المعركة ما لم يتوقف الناس عن التواكل، وإدرك كل آدمي أنه جندي في هذه المعركة وأن في خلاصه خلاص لغيره، فمحاصرة كورونا المستجد ليس فرض كفاية إن قام به البعض سقط عمن تبقى، وإنما فرض عين على كل أبناء الكوكب الأزرق.