هاشتاغ_ إيفين دوبا
ليس جديداً على شعبِ هذه البلاد أن يخالف غيره في اتّباع قانون ما، حتى وإن اجتمع عليه كثيرون، وحذّر منه العديدون، وبالتالي يبدو من الطبيعي أن تكون نسبة المطعّمين ضد فيروس كورونا “الحدث العالمي” قليلة مقارنةً بما حصل في البلاد القريبة من سورية قبل البعيدة منها.
هو خوفٌ من المجهول بعد أن عاصر السوريون أكثر الأحداث هولاً، وربما لن يكون الموت عبر الفيروس المستجد ومتحوراته أكثر أنواع الموت بشاعةً “بعد تفنّن الموت في حصد أرواحهم خلال السنوات العشر الماضية”.
والسؤال الذي يطرح نفسه، ما الذي يمنع السوريين من تلقّي لقاح من الممكن أن ينجيهم من موتٍ محقق في حال الإصابة بالفيروس، والسؤال الأكثر إلحاحاً يكمن في إيجاد آلية مؤثّرة وقادرة على الإقناع بضرورة التطعيم دون وسائل “الإجبار والإكراه” المتّبعة أخيراً!.
نسبة لا ترضي الوزارة!
حتى الآن، لم تحصل وزارة الصحة على النسبة المرضية “عالمياً” للمطعّمين ضد فيروس كورونا، والأسباب في هذا السياق عدّة، تدخل فها آثار الحرب النفسية التي تتحكّم بقدر الكثيرين حتى الآن، حتى وإن بردت جبهاتها الحربية، بعد أن سخّنت نوعاً آخر من حرب المعيشة للبقاء على قيد الحياة وإن كان بدون توافر العديد من مقوماتها البسيطة.
أحد تلك الأسباب التي يوردها المدير العام لمستشفى المواساة الجامعي، وعضو لجنة التصدي لكورونا، الدكتورعصام الأمين، يرتبط بتأخّر وصول اللقاحات والحصار على سورية والعقوبات، وعدم قناعة العديد من المواطنين بضرورة تلقّي اللقاح.
وعن النقطة الأخيرة، بيّن الأمين، تأثّر عدد من المواطنين بما يتمّ نشره على صفحات التواصل الاجتماعي حول المخاوف من تلقّي اللقاح، وما ينتج عنه من أعراض ومخاطر بعيدة عن الجانب العلمي والأكاديمي الدقيق، الأمر الذي أدى إلى بثّ الرعب والخوف في نفوس المواطنين، ودعاهم إلى الإحجام عن تلقي اللقاح، وبالتالي بقيت سورية من بين الدول الأقل تلقيحاً إلى الآن ضد فيروس كورونا (لم تصل النسبة حتى اليوم ألى أكثر من 5 في المئة).
هذه النسبة تدخل فيها أنواع متعددة من اللقاحات المتوافرة، سواء كانت الروسية أو الصينية أو حتى البريطانية، وكلها حسب قول مدير صحة دمشق الدكتور سامر شحرور ذات فاعلية ومصدقة عالمياً ومعتمدة من وزارة الصحة، وبإمكان المواطن اختيار نوعية اللقاح الذي يرغب دون شروط.
رحلة لقاح!
لا تقف قلّة نسبة التطعيم عند حدود الاختيار بين أنواع اللقاحات المتوافرة، إذ أنه منذ بداية الجائحة، وبعد اختبار اللقاح المضاد، جهدت وزارة الصحة بتأمين مختلف أنواع اللقاحات، إضافةً إلى التثقيف والتوعية بأهمية اللقاح عبر المراكز الصحية و الفرق الجوالة، حسب قول مديرة الرعاية الصحية في وزارة الصحة الدكتورة رزان طرابيشي، ومع عدم الوصول إلى النتيجة المرجوة من نسبة المطعّمين، تمّ التحول إلى فكرة فرض تلقي لقاح كورونا على موظفي المؤسسات الحكومية ومراجعيها كشرط لدخول مقراتها.
وأثارت تلك القرارات تساؤلات عن مدى توافقها مع الدستور الذي تنص المادة 22 منه على أنّ “الدولة تحمي صحة المواطنين وتوفّر لهم سبل الوقاية والمعالجة والتداوي”، والواضح أن المشرّع استخدم كلمة “توفّر” وليس “تفرض” في حديثه عن سبل الوقاية كاللقاح في حالة كورونا، في وقتٍ قالت فيه وزارة الصحة سابقاً أنّ اللقاح طوعي، وأنّ تلقيه ليس إجبارياً، لكن القرارات الأخيرة التي سارعت الجهات المعنية إلى تطبيقها فرضت بشكل أو بآخر على المواطنين التلقيح بشكل إجباري، مع عدم مراعاة الحرية الشخصية للمواطن في تلقي اللقاح من عدمه، لا سيما وأن منظمة “الصحة العالمية” أكّدت بأن اللقاح لا يمنع من الإصابة، لكنه يخفّف من الأعراض فحسب ويقلّل احتمالات الوفاة.
وحسب قول طرابيشي، فقد زادت نسبة الإقبال على تلقّي اللقاح بعد صدور هذه التعاميم؛ حيث ارتفع عدد متلقي اللقاح من 10 آلاف إلى 20 ألف يومياً، ورغم ذلك ما زالت نسبة الذين تلقوا اللقاح حتى اليوم دون 10 في المئة من المواطنيين، وتتقارب نسب التطعيم باللقاح في جميع المحافظات ، لكنّ محافظة طرطوس سجّلت النسبة الأعلى، حتى الآن.
وحتى من بين الأشخاص المطعّمين، كان لابد من الإشارة إلى أنّ النسبة الأكبر منهم، كانت حسب قول مدير المخابر في وزارة الصحة، الدكتور مهند خليل، للراغبين بالسفر إلى الخارج؛ إذ تجري المخابر التابعة للوزارة والمخابر الخاصة ما يقارب من 5 آلاف اختبار pcr في اليوم الواحد، وما يقارب 80 في المئة منها للراغبين في السفر، كذلك الحال بالنسبة إلى الراغبين في التطعيم، وهذه نقطة مهمة يجب التركيز عليها؛ إذ أنّ الإجراءات الاحترازية التي قامت بها الدول الأخرى في وجه المسافرين إليها دعت إلى الخوف وتلقّي أنواعاً محددة من اللقاح، أمّا الأشخاص الباقين في البلاد “لم يفكروا حتى الآن بحماية أنفسهم” في وجه الفيروس”!.
مجبرٌ.. لا بطل!
الفكرة الأساسية من كلّ ما سبق، تكمن في التركيز على أسباب إحجام الكثيرين عن تناول اللقاح المضاد لفيروس كورونا، بشكل طوعي واختياري، الأمر الذي أدّى إلى “فرضه” وهنا ربما تكون الوزارة “مجبرة” على هذا الاختيار بعد فشل كل الوسائل “الاختيارية” السابقة.
ومع هذا، فإنّ وزارة الصحة ومعها الفريق الحكومي المعني بالتصدّي للجائجة، مُلام، ناحية التقصير في التوصل إلى وجود رغبة حقيقية لدى المواطنينن بتلقّي اللقاح، حسب قول عضو الفريق الاستشاري المعني بالتصدّي لوباء كورونا، الدكتور نبوغ العوّا؛ إذ أنّ الوزارة من البداية أخطأت في التعامل مع موضوع الجائحة وفرض الإجراءات الاحترازية الوقائية التي كان من الممكن أن تؤدي إلى عدم إهمال المواطنين للتعامل مع الفيروس، ولاحقاً مع اللقاح.
تلك الإجراءات التي تغاضت عنها وزارة الصحة، وأهملها المواطنون، أدّت إلى مقاطعة اللقاح، ولو كان بشكل ضمني، حسب قول العوّا، إذ أنّه رغم كل التحذيرات الصحية بضرورة إجراء التباعد المكاني لحماية المواطنين من انتقال الفيروس، إلا أنّ التجمّعات الكبيرة كانت تتصدّر مشاهد الحياة اليومية “فكيف يمكن إقناع المواطن الذي يقضي أربع ساعات على ور الخبز، أو في وسائل النقل الجماعي، بضرورة أخذ اللقاح رغم أنّه لم يُصب حين كان ضمن تجمّعات”!.
كلّ مافي البلاد يؤدي للموت!
ليست التجمّعات التي لا تنتهي في البلاد، والتي لم تؤدِ إلى انتشار الإصابة بالفيروس كما يُشاع، وحدها هي من حالت دون تلقّي العديد من المواطنين للقاح المضاد لكورونا، بل إنّ لما أسمّاه العديد ممن التقيناهم “مناعة القطيع” دورٌ أكبر في الابتعاد عن التطعيم، والأكثر من هذا ما أطلق عليه آخرون “كلّ مافي البلاد يوصل للموت.. فلا فرق بين كورونا أو أيّ مرض آخر”.
ومن هنا يتّضح أنّ عاملاً نفسياً هاماً أدّى إلى هذه القناعة، قال عنها الطبيب النفسي، والاستشاري في منظمة الصحة العالمية، تيسير حسون، إنّها قسمت آراء المواطنين حول تلقّي اللقاح إلى قسمين؛ الأول يقول إن تناول اللقاح من عدمه لن يغيّر من الوصول إلى الموت المحتوم، والثاني، يملك وجهة نظر عكسية، تتعلّق بما يسمّى “الخوف الوسواسي” من اللقاح والذي يتشعّب أيضاً إلى فروع عدّة، منها ما يستند بالشكل لوجهة نظر غير علمية، بأنّ الإصابة أدّت إلى “مناعة القطيع”، وبالتالي لم يعد هناك من داعٍ لتلقي اللقاح.
بالمقابل: هناك قسم آخر ومنهم أطباء ليسوا بالمجمل مقتنعين باللقاح، وهذه نقطة جوهرية، وهنا لا بدّ من طرح سؤال بديهي كما يقول حسون ” لماذا لقحت أولادك خلال مراحل حياتهم الماضية دون اعتراض، واليوم تتوقف عند تناول اللقاح المضاد لكورونا؟”.
ويكمل الطبيب النفسيي:”صحيح أنّ كورونا أتى على غفلة، لكن لم يكن هناك معالجة للمعومات التي يتم تلقيها حوله من قبل العديد من المواطنين”، هذا التحديث الغائب خلال الجائحة، أدى إلى تناول المعلومات حوله بشكل “إطلاقي” وهو ما لا يتفق مع الذهنية العربية عموماً والتي تريد “معلومات لا تشوبها شائبة”، كما يقول حسون.
“كوفيد 19” لم تكن معلوماته لدينا متجددة، ولا زالت، إذ أنه مع متابعة المتحورات الجديدة للفيروس، تنقسم وجهات نظر المواطنين حوله، منهم من يرى أنّ الحياة لم يعد لها قيمة وبالتالي لماذا أتلقح، وهو نوع من “الزهد والانتحار المبطن”، وآخرون لديهم خوف شديد من عواقب اللقاح؛ وهؤلاء اشخاص ليس لهم علاقة بالعلم، وهنا يلقي الاستشاري النفسي بالمسؤولية على وجهات النظر الفيسبوكية،.. فـ”الميديا مع الآراء غير العلمية للأسف”.
ويتابع الاختصاصي النفسي بأنّ الاعتماد على تلك الوسائل له علاقة بالدوافع البيولوجية الاجتماعية الأساسية عند البشر؛ إذ أنّ أهم الدوافع البيولوجية هي اليقينية، والبشر دائماً يبحثون عن اليقينية في حياتهم، أيّ عن المعلوم وليس المجهول، وكلّما زاد المجهول كلّما ارتفع القلق.
وغالباً ما تكون عملية تهدئة القلق بوسائل غير علمية، وهنا يبدأ عمل الأبراج وقراءة الكف!.
ويتابع حسون:” في مجتمعاتنا للأسف المجاهيل أكثر من المعاليم، وبالتالي نحن أكثر الشعوب قابليةً للإيحاء، لأن المعاليم قليلة، إذ لا يمكن أن أتيقن من تأمين المواصلات خلال الذهاب إلى العمل، أو حتى تأمين الخبز والمازوت و.. وهذه لها علاقة بالاحتياجات”.
أين حملات وزارة الصحة؟
بما أنّ مصدر المعلومات الأساسي للعديد من الناس كانت منصات مواقع التواصل الاجتماعي بغض النظر عن علميتها أو دونها، تتحمّل وزارة الصحة دوراً كبيراً في إغفال هذه النقطة و”اللعب على وترها”؛ إذ لا تكفي حملات الدعوة إلى تلقّي اللقاح والحديث عن مجانيته، أو حتى القرارات الأخيرة عن منع دخول أيّ من مؤسسات الدولة ودوائرها، في حال عدم الحصول على اللقاح، أو حتى التغريم “حسب ما يشاع” بمبلغ 100 ألف ليرة لكل من لم يتلقّح، بل كان من الواجب التركيز أكثر على “صحة الأقارب ومن نحب” حسب قول الطبيب النفسي، إضافةً إلى تسليط الضوء على المعلومات الإحصائية، والتي تقول إنّ المطعمين نادراً ما تحوّلوا إلى العناية المشددة أو جهاز التنفس الاصطناعي أو حتى الموت، في حال إصابتهم مرة جديدة بفيروس كورونا، بينما الفيروس مسؤول بشكل أكيد عن الموت.
لكن، ما حصل أنّ الوزارة كانت دائماً ما تركّز على ضرورة تحقيق التباعد المكاني في وقت يعاني منه المواطنون من انتظار الدور للحصول على الخبز، والتفتت “دون إعلام وسائل الإعلام” إلى دعوة العديد ممن أسمتهم “المؤثّرين” من ممثلين وعارضي أزياء وفنانين ضمن تجمّع خاص، وبحثت معهم كيفية إقناع المواطنين بضرورة التطعيم دون نتائج تُذكر حتى الآن.