مازن بلال
بدأت عملية “طوفان الأقصى” باستنفار أمريكي يوحي باحتمالات الحرب الإقليمية، ورغم التصريحات المتعددة الصادرة عن البيت الأبيض لكن توسع الحرب بات واضحا؛ رغم أن المعارك القاسية تجري في قطاع غزة فقط.
وتشير العملية التي طالت قاعدة التنف الأمريكية إلى أن اتساع رقعة الصراع يصعب ضبطها، فهناك مساحة دولية مفتوحة أمام “إسرائيل” تمنع أي محاولة لإيقاف عملياتها العسكرية، وفي المقابل يبدو الطرف العربي غير مستعد لتجاوز عتبة “الإدانة” والدخول في تصعيد سياسي لمواجهة “الإبادة” التي يتعرض لها الفلسطينيون.
عمليا تركت الولايات المتحدة خيار الحرب كنمط وحيد لإحداث تبدل في التوازن الإقليمي، وآلياتها السياسية بقيت ضمن إيجاد ظروف تتيح الوقت لـ”إسرائيل” في إتمام مهمتها بتغيير الواقع العام في قطاع غزة، وهذا الشكل من التعامل مع الأزمة فتح أبواب التوتر التي اعتبرتها الولايات المتحدة شكلا من “الاستعراض السياسي”، سواء عبر ما يجري في باب المندب أو تعرض قواعدها لضربات لم تكن فعالة، لكن ما جرى في التنف حرك من خط المواجهة الأمريكية ليس بسبب الخسائر التي تعتبر عادية وفق المقياس العسكري، إنما لنوعية الاختراق الذي يجعل الاشتباك في عمق الإقليم وعلى مثلث الحدود السورية – الأردنية – العراقية.
العملية بذاتها تنقل حجم الخطر الإقليمي لأنها تتزامن مع مسألة سحب القوات الأمريكية من العراق، فمصير باقي القواعد سيبدو مكشوفا في حال تم الانسحاب، ومع قدرة الولايات المتحدة على التدخل بأساليب عسكرية مختلفة لكننا نقف أمام أمرين:
كانت الولايات المتحدة تعرف تماما نوع التداعيات الممكنة نتيجة حرب غزة، وهي دفعت قطعا بحرية باتجاه شرق المتوسط لمواجهة الاحتمالات وليس فقط للردع، ورغم أن رقعة الحرب الفعلية لم تتسع فبقيت ضمن شمال وجنوب فلسطين، فإن الانفجارات الأخرى سواء عبر الحوثيين أو الفصائل المسلحة في العراق شكلت حربا إقليمية بالكامل.
فعالية الضربات العسكرية في البحر الأحمر ربما تكون ضعيفة لكنها عطلت الملاحة وهي أحد نتائج أي حرب إقليمية، في المقابل فإن الصواريخ والمسيرات التي طالت مناطق في سورية والعراق، إضافة لحرب الاغتيالات التي تعمل عليها “إسرائيل” توضح أنه ليس بالضرورة أن تشتعل الحروب بين الدول حتى يتم تصنيفها على أنها “حرب إقليمية”.
الأمر الثاني مرتبط بالأفق السياسي للحرب على غزة، فالتضييق على أي حل لوقف النزاع والضغط على المؤسسات الدولية وعدم قدرة محكمة العدل الدولية على التعامل القوي مع مسألة الإبادة الجماعية، تضع الحرب في الواجهة وتتيح لنتنياهو الاستمرار فيدفع سكان غزة نحو الحدود المصرية.
كل التقديرات السياسية تتمحور اليوم حول رهان سقوط حكومة نتنياهو، وهو موضوع لا ينهي الحرب، وبغض النظر عن تقلبات السياسة الإسرائيلية فإن ما يجري تجاوز سقوط “ائتلاف حاكم” أو غيره من الترتيبات، فأحداث غزة بالنسبة للولايات المتحدة بالدرجة الأولى لا تحتمل سوى إزاحة أي عامل يتيح لغير “إسرائيل” فرض الحلول السياسية، والغطاء الدولي لما تقوم به اليوم سينتهي لتقرير من يملك القوة في رسم شرقي المتوسط، فالحلول السياسية قادمة بالتأكيد ولكن ليس قبل إزاحة عدد من اللاعبين وفق التقدير الأمريكي على الأقل.