الثلاثاء, أبريل 1, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةالتوغلات والغارات واستغلال الأقليّات.. ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟

التوغلات والغارات واستغلال الأقليّات.. ماذا تريد إسرائيل من سوريا؟

هاشتاغ: ترجمة

أدى انهيار نظام الأسد في ديسمبر 2024 إلى انتقال سياسي على مستوى أجيال في سوريا. ومع ذلك، وبينما تعمل البلاد على إعادة الإعمار والتعافي بعد ما يقرب من 14 عاماً من الصراع الوحشي، تبدو إسرائيل مصرّة وبشكل خبيث على إحباط عملية انتقال سوريا، وسلامتها الإقليمية واستمراريتها، وسيادتها الأساسية.

وبحسب تقرير أعده ألكسندر لانغلويس المحلل المتخصص في شؤون الشرق الأوسط لمركز أبحاث السياسيات الدولية الأمريكي (Center For International Policy)، فإن إسرائيل “تضغط على سوريا اليوم تحت ستار حماية الأقليات في البلاد” كامتداد لإستراتيجيتيها الإقليميتين “مبدأ المحيط أو تحالف المحيط” و”تحالف الأقليات” لتعزيز أمنها من خلال تحالفات مع أعداء مشتركين محتملين من الدول ذات الأغلبية السنية.

وهكذا تعمل تل أبيب على “استغلال مخاوف الأقليات، سواء كانت حقيقية أو مُتصورة، في سوريا لتبرير انتهاكاتها الواضحة لسيادة جارتها الشمالية، وتعزيز مصالحها الأمنية الشاملة. لكن هذه الجهود تُخاطر بإعادة إشعال الصراع الأهلي في سوريا، وينبغي على المجتمع الدولي رفضها”.

الانتهاكات الإسرائيلية للسيادة السورية

بعد أقل من يوم واحد من انهيار نظام الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، سارعت إسرائيل إلى تأمين مصالحها داخل سوريا، فاستولى الجيش الإسرائيلي على الجانب السوري من منطقة فض الاشتباك على طول الحدود مع الجولان المحتل. ومنذ ذلك الحين، استولى الجيش الإسرائيلي على العديد من البلدات في محافظة القنيطرة جنوب غرب سوريا واحتلها بشكل غير قانوني.

تزامن ذلك مع حملة قصف شاملة شنتها إسرائيل في جميع أنحاء سوريا، دمّرت خلالها البنية التحتية والقدرات العسكرية للجيش السوري السابق، بما في ذلك القواعد ومخازن الأسلحة والطائرات والمطارات العسكرية لمنع وقوعها في الأيدي الخطأ حسبما أعلن المسؤولون الإسرائيليون.

 وتستمر هذه الضربات حتى اليوم.

ويبدو أن إسرائيل تريد فرض هذه السياسة حتى يتم وضع ترتيبات “تضمن أمنها” بحسب ما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مؤخراً.

في هذا الصدد، ينظر القادة الإسرائيليون إلى حكام سوريا الجدد – كبار قادة هيئة تحرير الشام (HTS) التابعة سابقاً لتنظيم القاعدة – كتهديد مباشر على طول حدودهم الشمالية مع الجولان المحتل، ويعتقدون أن وجود ميليشيا إسلامية أخرى أو كيان مسلح على الحدود بالنسبة لإسرائيل، يماثل التهديد المستمر من حزب الله اللبناني في جنوب لبنان – وهو تهديد قضوا عليه إلى حد كبير في عام 2024.

ومن هنا برز تحول جذري في الإستراتيجية العسكرية الإسرائيلية يقوم على  تعزيز أمن الحدود على المستوى الوطني – أي من خلال القضاء على التهديدات البعيدة على طول تلك الحدود باستخدام القوة العسكرية. ولهذا طلب نتنياهو بأن تظل محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء في جنوب سوريا منزوعة السلاح، مهدداً باستخدام القوة في حال نشرت دمشق قواتها في هذه المناطق.

ومن أجل تحقيق هذه السياسة ومواصلة التهديدات، يعمد المسؤولون الإسرائيليون على تضخيم التوترات العرقية والطائفية في جميع أنحاء سوريا مدّعين حرصهم ودورهم في حماية الأقليات فيها- بما في ذلك العلويون والأكراد والدروز والمسيحيون.

وكمثال على ذلك أصرّت إسرائيل مراراً وتكراراً على أنها ستستخدم القوة العسكرية لحماية الدروز وخاصة في محافظة السويداء. واستشهدت تل أبيب بما أسمته الانتهاكات ضد الدروز في منطقة جرمانا قرب دمشق.

القادة الجدد في سوريا انتقدوا تصرفات إسرائيل لكن دون تصعيد الموقف خشية المخاطر المحتملة خصوصاً أن دمشق تدرك أنها ليست في وضع يسمح لها بتحدي إسرائيل أو الغرب على نطاق أوسع. أضف إلى أنها تأمل في الحصول على تخفيف العقوبات الضرورية لاجتياز المرحلة الانتقالية بنجاح.

نوايا إسرائيل في سوريا

في نهاية المطاف، تهدف جهود إسرائيل في مرحلة ما بعد الأسد إلى خلق وقائع على الأرض تعزز مصالحها الآن وفي المستقبل.

وتتوقع تل أبيب إجراء مفاوضات مع دمشق تُحدد شكل العلاقات بين الدولتين لأجيال في حال نجاح المرحلة الانتقالية. ولذلك، تجمع الحكومة الإسرائيلية أكبر قدر ممكن من أوراق المساومة استعداداً لأي محادثات محتملة.

باختصار، تبدو إسرائيل مستعدة لمواصلة هذا النهج الخطير وإشعال صراعات عرقية وطائفية داخل سوريا لضمان فشل المرحلة الانتقالية في إنتاج دولة سورية موحدة جغرافياً. وهي تفعل ذلك من خلال استغلال مخاوف الأقليات في بلد تعرّض فيه النسيج الاجتماعي لدمار كبير.

وتهدف إسرائيل من استخدام هذا الضغط لدفع دمشق إلى تقديم سلسلة من التنازلات تحت تهديد انهيار الدولة، و “بلقنة” سوريا. إذ تأمل تل أبيب في الحصول على الاعتراف الكامل من حكام سوريا الجدد تحت تهديد السلاح وكذلك باعتراف سوريا بمطالبة إسرائيل بهضبة الجولان.

لكن كلا الهدفين غير قابلين للتطبيق بالنسبة لدمشق، التي لن تجرؤ على المخاطرة بشرعيتها المحدودة خلال فترة انتقالية شديدة عدم الاستقرار بالاعتراف بإسرائيل أو باحتلالها غير الشرعي وضم أراضيها.

مقابل ذلك، يوضح التقرير، أن سوريا قد تلجأ في مواجهة هذا الواقع إلى دول أخرى طلباً للدعم، ومنها تركيا التي تحظى بمكانة مميزة في سوريا ما بعد الأسد كونها تشكل الداعم الرئيسي للحكم الجديد في دمشق، لكن ذلك قد يحوّل البلاد إلى ساحة معركة بين تركيا وإسرائيل.

منع وقوع كارثة

يرى التقرير أنه لا يمكن للمجتمع الدولي أن يسمح لأي جهة إقليمية بإحباط أو تشويه العملية الانتقالية في سوريا بطرق قد تُزعزع استقرار البلاد أو تُمزقها إلى الأبد. وأنه ينبغي تركيز الجهود على ضمان قدرة السوريين على قيادة عملية انتقالية بأقل قدر من العوائق أو بدونها. ويمكن لواشنطن أن تلعب دوراً محورياً في هذا الصدد.

ويدعو التقرير إدارة ترامب إلى التخفيف من حدة الإجراءات الإسرائيلية في سوريا، وأن تضغط عليها سراً وعلانيةً للتخلي عن عملياتها العسكرية داخل الأراضي السورية. باعتبار أن احتلال أراضي دولة مجاورة سيُؤدي إلى صراع طويل الأمد قد يُنتج كياناً يُعادل حزب الله في سوريا. كما يجب ضمان أن تكون سوريا ليست مهتمة بالصراع مع إسرائيل، وأن واشنطن وإسرائيل يُمكنهما العمل مع الشركاء الإقليميين لضمان استمرار هذا النهج.

وينبغي على واشنطن أيضاً التنسيق مع الجهات الفاعلة الإقليمية – وخاصة تركيا – لضمان عدم بقاء سوريا ساحةً للتنافس بين الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية.

وأخيراً، ينبغي على واشنطن العمل مع الحكومة السورية الجديدة لتثبيط أي رد فعل محتمل قد يُصعّد الوضع ويُؤدي إلى مزيد من التعدي الإسرائيلي على أراضيها. حيث لا تزال الولايات المتحدة تملك أدوات اقتصادية ودبلوماسية تُمكّنها من توجيه حكومة تصريف الأعمال بسهولة نحو أفضل مسار لنجاح العملية الانتقالية في سوريا.

في نهاية المطاف، ينبغي على جميع الدول دعم الانتقال السياسي في سوريا، نظراً لموقعها الجغرافي كـ”قلب الشرق الأوسط”، واحتراماً لصمود شعبها وتطلعاته الديمقراطية بعد 14 عاماً من الحرب. وينبغي أن يكون منع السياسات غير المفيدة وقصيرة النظر التي تضر بهذا الانتقال أمراً محورياً لأي جهة فاعلة في سوريا اليوم.

المصدر: مركز أبحاث السياسيات الدولية الأمريكي (Center For International Policy)

مقالات ذات صلة