الأحد, ديسمبر 22, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخباريهجرون الزراعة إلى الخدمات.. "فلسفة" الحكومات تقود السوريين إلى الجوع

يهجرون الزراعة إلى الخدمات.. “فلسفة” الحكومات تقود السوريين إلى الجوع

هاشتاغ- إيفين دوبا

لطالما تباهى السوريون بزراعتهم والصناعة التحويلية القائمة على هذه الزراعة. وكثيرا ما ذكروا مقولة “ويل لأمة تأكل مما لا تزرع وتلبس مما لا تصنع” للاستدلال على قوتهم لجهة تحقيقهم معادلة الأمن الغذائي، وضعف جيرانهم الذين يستوردون ليأكلوا ويلبسوا.
اختلف الحال جذريا هذه الأيام، ليس لأن السوري يأكل مما لا يزرع ويلبس مما لا يصنع كجيرانه، بل لأن السوريين بمعظمهم لا يأكلون ولا يلبسون، ووصلوا حد الجوع والعري، رغم توفر الظروف نفسها التي كانت تسمح لهم بالزرع وتحقيق الاكتفاء.
ما اختلف هو أمر واحد؛ القائمون على أمور الاقتصاد والتخطيط هم مجموعة من الفاسدين، وفي أحسن الأحوال،؛ الفاشلين.

هجرة نحو المظاهر والجوع..

تراوحت نسبة من يعمل بقطاع الزراعة في سوريا ما بين 28 و33% من إجمالي القوة العاملة السورية في فترة ما بين 1991 و2000 وانخفضت إلى 14% بحلول 2010.
وفي وقت لم تشهد نسبة القوة العاملة في القطاع الصناعي سوى نموا محدودا بين 1991 و2010 (31% إلى 34%)،
فإن خبراء يرجحون أن هذا النمو جاء نتيجة لإلزام الورشات الصغيرة بالحصول على تراخيص العمل وليس نتيجة انضمام المزيد من العمال للقطاع الصناعي الذي يعاني ما يعانيه شقيقه الزراعي.
ويشهد القطاع الزراعي هجرة كبيرة وفقا للخبراء، لصالح قطاع الخدمات “العمل في المصارف والمقاهي والمطاعم والمولات والمحلات التجارية أكثر جاذبية من العمل في الأرض”.
وفي وقت يعيش السوريون على حافة المجاعة تبدو المفارقة بازدياد عدد المولات الجديدة في المدن السورية، علما أن تكلفة أصغر مول في أكثر الأحياء تواضعاً في دمشق ستبقى بملايين الدولارات وهي تكفي لمشاريع زراعية مهمة وناجحة.

نسب مبالغة بها!

الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، الدكتور عابد فضلية، يقول “من حيث المبدأ، فإن التراجع الكبير في نسبة العاملين بالزراعة في تلك الفترة هو نتيجة طبيعية وحتمية لفلسفة السياسات الاقتصادية الحكومية في تلك الفترة، التي قللت من شأن وأهمية وأولوية الإنتاج الزراعي.”
ويضيف: من جهة أخرى تراجعت الزراعة بسبب النمو والتنامي الطبيعي والمستهدف للأنشطة الاقتصادية الأخرى، وعلى رأسها آنذاك القطاع الصناعي التحويلي، الذي أعطته السياسات والإجراءات الحكومية مزيدا من الاهتمام.
ويعود سبب اعتماد هذه السياسات، حسب قول “فضلية” إلى القناعة بأن القيمة المضافة في العمل والإنتاج الزراعي (ضعيفة-هامشية)، وأقل بكثير من القيم المضافة التي يمكن أن يحققها القطاع الصناعي.
وتؤكد ذلك بعض المؤشرات الكلية الأخرى، ومنها مؤشرات التجارة الخارجية، من خلال لحظ تزايد نسب المواد الأولية والمدخلات الصناعية من إجمالي المستوردات، وارتفاع نسبة المنتجات المصنعة كلياً أو جزئياً من إجمالي الصادرات، الأمر الذي يعني انخفاض حصة الأنشطة الزراعية في الناتج المحلي الإجمالي (القيمة المضافة)، وارتفاع حصة الأنشطة الصناعية في هذا الناتج.
وفي هذا السياق لا بد من التنويه، واستناداً إلى مؤشرات كلية أخرى ومقارنةً بها، ومن خلال استقراء طبيعة وحقيقة التغيرات على أرض الواقع، إلى أن النسب المئوية المذكورة أعلاه تبدو مبالغ فيها بالنسبة للقطاع الزراعي، ومقزمة بالنسبة للقطاع الصناعي.
ويبرر “فضلية” ذلك بسبب عدم دقة البيانات المعلنة والإحصاءات الرسمية، من جهة، ومن جهة ثانية لأن بعض أصحاب الأنشطة الصناعية لا يُعلنون العدد الحقيقي للعاملين لديهم (لتلافي تسجيل بعضهم بالتأمينات الاجتماعية)، ولا يتقدمون للجهات الجمركية والتموينية الرقابية، بالأسعار الحقيقية لمستورداتهم وصادراتهم، ولا للتكلفة الحقيقية لمنتجاتهم، لعدة أسباب، بعضها مبرر (برأي معظمهم).
ويقول “فضلية” إن “عدم الثقة المطلقة بالأرقام والنسب أعلاه، ليس من باب الشك، بل ربما لاحتمال اختلاف الأسس الإحصائية التي تم الاستناد إليها بين يومي إجراء الإحصاء المتباعدين، واللذين يفصل بينهما 10 سنوات، ولاحتمال التغير في تعريف العامل الزراعي، فيما إذا كان هو المزارع نفسه، أم العاملين لديه بأجر وبدوام كامل أو بدوام جزئي..الخ”.
يتابع “فضلية” أنه بالتحليل والمقارنةً ما بين مدلولات التغير في حصتي الزراعة والصناعة من إجمالي القوى العاملة، وبين التغيرات في مستوى الدخل والقوة الشرائية ومستوى المعيشة، وبالتالي في مستوى الفقر، نجد أن هذا الانخفاض الكبير بعدد العاملين في الزراعة، الذي لا يقابله إحصائياً سوى ارتفاع بسيط بعدد العاملين في الصناعة، يدل حتماً وبكل الأحوال، على ارتفاع نسبة البطالة.
ويقول إن الجزء الكبير من العمالة التي خرجت من الزراعة وعدا النسبة البسيطة التي تحولت إلى الصناعة، لم تدخل بل من غير الممكن أن تدخل، كعمالة في الأنشطة الأخرى، وبقيت دون عمل، الأمر الذي يعني دون أي مجال للشك انعدام الدخل أو انخفاضه لدى شريحة عريضة من العمالة ومعظمها زراعية، أي ارتفاع نسبة الفقر، التي حدثت ببطء وبالتدريج من سنة إلى أخرى خلال تلك الفترة.

زراعة ومخاطرة

الخبير الاقتصادي جورج خزام، يقول إنه لا يخفى على أحد بأن العمل الزراعي اليوم ينطوي على مخاطر كثيرة إما تتعلق بالأحوال الجوية أو بأحوال السوق بالنسبة لتحديد السعر الذي يشكل المغامرة الحقيقية برأس المال بسبب وقوع المزارعين في كثير من المواسم بخسائر مالية وخاصة عندما يكون هنالك إنتاج وفير و معه يزداد العرض وتنخفض الأسعار تحت تكاليف الإنتاج.
وحسب قول “خزام” لهاشتاغ فإن الأسواق السورية لا تعاني من تراجع الإنتاج وإنما تعاني من تراجع الطلب لأنه لا يمكن التوسع بإنتاج بضاعة لا يوجد عليها طلب كاف مساو للعرض حتى لا تنخفض الأسعار.
وعليه فإن “المزارع ليس لديه توقع مستقبلي عن حجم الطلب على منتجاته الزراعية حتى يتوسع بالزراعة و يأخذ القروض ليقوم بتسديدها عند المواسم”.
ويرى “خزام” أن أكبر كارثة تواجه مزارعي القمح على سبيل المثال هو التسعير من قبل اللجنة المكلفة لذلك بسعر يقترب من تكاليف الإنتاج من أجل توزيع جزء من عجز الموازنة العامة على المزارعين الفقراء ما يؤدي لتراجع المساحات المزروعة وزيادة الإستيراد والأصح هو الإستلام منهم بالسعر العالمي للقمح مع إلغاء الدعم الوهمي للمزارعين الذي يذهب لحلقات الفساد بالتوزيع.
وبالنسبة إلى العمل التجاري و الصناعي فقد أصبح يحقق جدوى إقتصادية أكبر بكثير من العمل الزراعي حسب رأي الخبير الاقتصادي، خاصة مع الإرتفاع الكبير بتكاليف الإنتاج الذي لا يتناسب مع أسعار البيع وخاصة عند إغلاق أبواب التصدير ما يؤدي لوقوع المزارعين بالخسائر الفادحة.
ومن وجهة نظر “خزام” فإن رأس المال العامل بالتجارة و الصناعة لا علاقة له برأس المال العامل بالزراعة ولا يمكن إلزام القطاع الخاص بتشغيل أمواله بالزراعة لأنها تحقق فائدة أكبر للإقتصاد الوطني بدلاً من إفتتاح مول او مشاريع أبراج سكنية.
بمعنى أن رأس المال يبحث عن مطارح للإستثمار فيها حيث يكون الربح أعلى ما يمكن و بأقل مخاطرة و بأقل فترة زمنية ممكنة للحصول على الأرباح السريعة.
ويبرر “خزام” سبب التحول للمشاريع الصناعية بدلاً من المشاريع الزراعية لأنها تحقق أرباح سريعة أكثر بكثير من الإنتاج الزراعي، خاصة وأن دورة رأس المال بالسوق أسرع والمخاطر أقل بكثير مع تحقيق أرباح مضمونة أكثر بكثير من العمل الزراعي الذي يحتاج للكثير من التعب و الجهد والمخاطرة.

سياسات فاشلة

الخبير الاقتصادي الدكتور عامر شهدا له رأي مختلف وحسب قوله فإنه رغم كل السياسات التي أعلنتها الحكومة لدعم الصناعة أثبتت فشلها والدليل تراجع دخل مدينة حلب ورفدها لخزينة الدولة من 40 في المئة الى 9 في المئة.
ويقول “شهدا” لهاشتاغ إن كل ما كانت تدعيه الحكومة من دعم للصناعة غير صحيح مايشير إلى فشل السياسات والخطط الحكومية لدعم الصناعة.
ويتابع: “حتى في الزراعة فشلت كل الخطط الي أعلنها الوزارة لن تخضع لتقييم أو حوكمة والدليل أرقام إنتاج القمح والحجج عن خروج مساحات كبيرة عن سيطرة الدولة”.
ومن وجهة نظر “شهدا” كان الأولى من وزير الزراعة ليس البحث عن تبرير لفشل الخطط الزراعية خاصة في ظل إدارة أزمة دولة وليس فقط على مستوى الزراعة بل النجارة والصناعة أيضاً.
ويؤكد أن اليوم ومع تقييد الموضوع بتراجع أو انخفاض قيمة الليرة هذه أسوأ سياسة من الممكن أن تتبعها حكومة دون الالتفات للاقتصاد الكلي.
ويضيف:” حكومة فاشلة وغير قادرة على ضبط الكتلة النقدية. وبالتالي غير قادرة على توفير مستلزمات التجارة”.
ويرى أن الحكومة مشغولة بالأسعار وتدخل باقتصاد السوق وتسعى لاقتصاد حر.. “نحن معها لكنها في الحقيقة غير قادرة على القيام بمسؤولياتها”.
ويختم بالقول: “الاقتصاد كله قائم على المنظومة الزراعية والدليل العجز بالموازنة.. بقاء البلد لا يعني قتل المواطن الحكومة تقتل المواطنين من الجوع”.
من جهته يقول الأستاذ في كلية الاقتصاد الدكتور إبراهيم العدي، إن المشكلة الأساسية في اقتصادنا أنه ليس لديه هوية.
ويؤكد أنه “إذا صلح الاقتصاد صلح كل شيء لذلك يحب أن يكون لدينا سياسات اقتصادية قادرة على إعادة ثقة الخارج بالاستثمار في الاقتصاد السوري لكي نتخلص من حالة الركود الاقتصادي”.
مقالات ذات صلة