مازن بلال
تعتبر الولايات المتحدة الحرب على غزة بوابة لإعادة رسم العلاقات الإقليمية في الشرق الأوسط، فهي منذ اللحظات الأولى لهذه المعركة حاولت تطويقها وإتاحة الفرصة لـ”إسرائيل” لتحقيق أهدافها دون أي تأثيرات دولية أو إقليمية، وفي نفس الوقت فإن إدارة الرئيس بايدن كانت تعرف مسبقا أن مثل هذه الحروب لا تملك زمنا واضحا، فهي دون قواعد أو حتى مهام محددة تنتهي بعدها العمليات العسكرية، وخلال خمسة أشهر لم يكن قتل المدنيين مبررا فقط، بل أصبح جسرا لرسم الأدوار الإقليمية وللرهان على إنعاش حلول سياسية متعثرة.
عمليا فإن مسألة الغطاء الدولي لـ”إسرائيل” ليس جديدا، فهي ظهرت للوجود عبر مثل هذا “الغطاء”، لكن ما حدث خلال الحرب على غزة هو فتح كافة الاحتمالات العسكرية رغم كافة التصريحات الأمريكية بمنع الحرب الإقليمية، وهو ما يؤشر إلى أمرين على المستوى الإقليمي:
الأول جعل حرب غزة نموذجا على مستوى الشرق الأوسط، فالأبعاد الأولى لمثل هذا النموذج هو عزل أي عوامل يمكن أن توقف الحرب، وبعد خمسة أشهر تبدو “إسرائيل” منتصرة ضمن البعد الدولي، وذلك رغم كل خسائرها الداخلية.
إن مثل هذا النموذج يتضح من خلال تصريحات نتنياهو الذي يتوعد خصومه الإقليميين بمصير يشبه ما حدث في غزة، بينما تقوم الولايات المتحدة بإنشاء تحالفات عسكرية جديدة لضمان الممرات البحرية، وتقوم بعمليات ردع عسكرية من شواطئ اليمن وصولا إلا العراق، وتبدو المنطقة مكشوفة بالكامل أمام التحركات الأمريكية، وذلك في ظل نظام دولي متعثر وغير قادر على التحكم بمسار الحروب على الأخص في أوكرانيا التي تستهلك كل الطاقة الأوروبية.
الأمر الثاني يبدو في إعادة رسم موازين القوى ما بين الخليج وإيران، ففي الحروب لا تكفي المواقف السياسية، وتنهي العمليات العسكرية أي قدرة للضغط السياسي، وما يحدث على المستوى الإقليمي هو ضرب “أطراف إيران” عبر حرب الاغتيالات التي لا يبدو أنها ستتوقف قريبا.
مؤشرات الحرب لا تقدم أي أفق لحل واضح فالغرض الأمريكي منها كسر موازين القوى دون الدخول في حرب مباشرة مع إيران، ومحاصرة التحالفات القائمة عبر توترات وحروب تبدو في ظاهرها محدودة لكنها في نفس الوقت تشكل عامل ردع استراتيجي لكافة الأطراف.
تخوض الولايات المتحدة و “إسرائيل” حربا مختلفة نوعيا عن كافة المواجهات السابقة، فهي حرب خلط الأوراق الإقليمية أكثر من كونها معارك لتحقيق مكاسب سياسية محددة، ورغم أن أهل غزة يدفعون ثمنا غير مسبوق، لكن المنطقة بأكملها تقف عند حدود خطرة في ظل عدم وجود حدود واضحة للأمن الإقليمي، فالحرب لا يقابلها استنفار سياسي أو حتى تحركات لوضع حدود للحرب القائمة، فالصورة النهائية للمنطقة ماتزال غامضة، والخطر ربما يطال الجميع رغم كل الإيحاءات بأن الحرب محدودة ومحصورة.