هاشتاغ-رأي مازن بلال
شكلت حرب غزة وخلال عام كامل مسارا يكسر مقاييس الصراع المألوفة كلها، فهي توسعت كثيرا من دون أن تصبح حربا إقليمية وفق التصور القديم لمواجهات الدول، وتأثر شرقي المتوسط بالعمليات العسكرية كافة، بما فيها الملاحة البحرية ما بين باب المندب وقناة السويس، لكن هذا التصعيد الإقليمي لم يحمل أي ضغط دولي لوقف الحرب، فالجهود الدبلوماسية تركزت على هامش ضيق يرتبط بالمفاوضات وترتيب هدنة مؤقتة، وعلى الرغم من الجهود العسكرية كلها التي تصب في صالح “إسرائيل”، فإن العواصم الكبرى تراهن على تحول في سياسات الشرق الأوسط ككل.
من المؤكد أن سياسات “إسرائيل” تستفيد من الوقت الضائع قبل الانتخابات الأمريكية لتثبيت حالة اشتباك مفتوحة، وهي تريد للإدارة الأمريكية القادمة أن تتعامل مع واقع يفرض عليها أكثر من “حماية إسرائيل”، لأن الاختبار الحالي لا يرتبط بـ”حكومة نيتنياهو” فقط كما يوحي الإعلام بل بالعقيدة العسكرية “الإسرائيلية” ككل التي تخوض حربا على المستوى الإقليمي، وبزمن سجل رقما قياسيا كان من المفترض أن يرهق أي دولة أخرى، ويجعلها في حالة تعثر اقتصادي على الأقل، لكن ما يحدث مختلف جدا لأن تلك الحرب تقدم نموذجا خاصة لتصفية سياسية أزاحت عقدين من محاولات السلام؛ سواء عبر اتفاقيات أوسلو أومن خلال معاهدات السلام بين بعض الدول العربية و “إسرائيل“.
عمليا فعلى الرغم من الهدوء الذي تبديه السياسات العربية فإن الجميع يشعر بالتهديد، وهذا الرعب الذي خلفته الحرب منذ عملية طوفان الأقصى ناجم عن حالة كشف الهشاشة في معظم الاتفاقيات السياسية، فحجم القوة التدميرية التي استخدمتها “إسرائيل” والتريث الدولي بانتظار ما ستقدمه الحرب من تصفيات على المستوى السياسي؛ يؤشر أن وقف الحرب لا يرتبط فقط بالضغط على “إسرائيل” إنما بحالة عدم اليقين التي تسيطر على السياسات الغربية كافة حول نتائج الحرب، وهذا ما ظهر مبكرا عندما كانت الولايات المتحدة تطالب “إسرائيل” بمسألة “اليوم التالي” لما بعد حرب غزة.
ما يطيل أمد الحرب أن أي تنازل “إسرائيلي” ولو بسيط لا يعني خرقا لأمنها بل تبدل لصورتها الإقليمية، وتهديدا لمستقبل وجودها ككل، فبعد عام كامل من حرب مفتوحة بكل المعايير تظهر فجوة يصعب ملؤها سياسيا، فلا “إسرائيل” قادرة على فرض إرادة سياسية إقليمية على الرغم من تفوقها العسكري، ولا حتى الدول الغربية تملك تصورا لليوم التالي بعد توقف الحرب.
هي بالفعل حرب الشكوك التي أزاحت الكثير من المصطلحات المرتبطة بالموضوع الفلسطيني وبالأمن الإقليمي أيضا، فالجهود السياسية كلها التي رسمت “عملية السلام” تبدو من الماضي، وأمن “إسرائيل” بات يحتاج إلى تعريف مختلف يعيد تحديد المفاهيم الخاصة بالقوة المفرطة التي تمتلكها، وحتى بالتفويض الدولي الممنوح لها كي تتحرك على حساب سيادة دول الإقليم كافة، فالصورة الحالية تحمل تناقضا غير مألوف بين “دولة” متفوقة عاجزة عن فرض إرادتها أو حتى حماية نفسها، ودول هشة على مستوى السيادة لا تملك استراتيجيات واضحة لأمنها، والأمر لا يقتصر على لبنان وسوريا والأردن وصولا إلى مصر، بل يطال حتى دول الخليج التي تبدو الحياة فيها هادئة، لكنها واقعة بين نزاع إقليمي عميق ومحاصرة بمعركة طويلة ما بين “إسرائيل” في الغرب وإيران في الشرق.