الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرنحن والبلاد.. وجهان لخيبةٍ واحدة

نحن والبلاد.. وجهان لخيبةٍ واحدة

هاشتاغ _ لجين سليمان

قررت منذ خروجي من سوريا التعامل مع ما حملته من أحزان ومشاكل ناتجة عن اضطراب الواقع السوري بطريقة فكاهية، وذلك كي لا أنشر الطاقة السلبية في أجواء من لا ذنب لهم وقد لا يعنيهم الموضوع، فكنت أربط كل تفصيل من حياتي اليومية بما عشته ويعشيه السوريون جرّاء تلك الحرب.

على سبيل المثال: عندما أكون على عجلة من أمري أُقدِم على قطع الشارع حتى ولو كانت الإشارة حمراء وأتابع السير قائلة لنفسي: “نحنا الدولة ولاك” وأكمل طريقي متجاهلة كل المارّة الذين ينتظرون الإشارة الخضراء.

وعندما أعود إلى المنزل في وقت متأخر قد يرافقني أصدقائي في الطريق ولكنهم يقولون لي” “لا تقلقي الصين آمنة”، فأجيب ضاحكة “لا تقلقوا.. أنا أختو اللي بتطلع 3 الصبح” تيمنا بالسوري الذي ظهر في بداية الحرب متغزّلا بنعمة الأمان في سوريا قائلا: “أنا أختي كانت تطلع 3 الصبح”.

كانوا يضحكون بدون معرفة قصة العبارة، مستغربين وجود فتاة لا تخشى العودة وحيدة في وقت متأخر من الليل.

وعندما أتعامل مع طلبة أصغر مني أقول لهم دائما “يا ابني” باللغة الصينية مع رفعة شموخية بالكتف. ولا أكتفي بهذا بل عندما أقدّم إجابة صحيحة في محاضرات اللغة الصينية أشمخ بشكل فوري وأقلب شفتيّ باعتزاز فأثير ضحكات كل الطلاب الحاضرين ظانين أنني أقوم ببعض الفكاهة لألطّف أجواء صعوبة اللغة، ولكنهم لا يدرون أني أحاول فقط معالجة نفسي بطريقة ساخرة كي لا أحصر بداخلي عقدا “سورية” ناتجة عن معاناتنا نحن الجيل الذي كان شابا وأصبح هرما بسرعة البرق.

هي محاولات لتقمّص فكاهة تحوي في طياتها الكثير من الألم، إلا أنّ ما يظهر على الوجه فقط هو الابتسامة والشموخ الفارغ الأبله.

استمريت على هذه الحال، أطعّم أيامي بالهزل والشموخ والنصر إلى أن دخلت مرة إلى مكتب أستاذي المشرف، إذ كان قد وضع أغنية فيروز “نسّم علينا الهوى” والتي نصحته بها عندما طلب مني اقتراح أغانٍ عربية.

لحظة سماعي للأغنية اختفى كل الحس الفكاهي ودفعة واحدة، وبمجرد سماع “خدني على بلادي ، وفزعانة أكبر بهل غربة” وقعت نكبات العالم كلها فوق رأسي، وكأنّ الوجه الحقيقي لطالبة قادمة من الحرب قد ظهر فجأة، فبتّ لا أستطيع إخفاء ما أخفيه عادة. لم يكن يخيفني أن أكبر في بلاد الغربة، بل أكثر ما كان يشعرني بالخوف هو أني لن أتعرّف على هذه البلاد مجددا، لأنها لم تعد كما هي.

تذكرت كلام صديق سوري عاد إلى البلاد بعد 10 سنوات من الغياب، وقبل دخوله بلحظات أخبرني أنه يخجل من أن يرفع عينيه وينظر بعيدا إلى الأفق، حيث لا يبرز إلا الدمار بأشكاله كافة. عشت الموقف ذاته عن بعد وكأنني دخلت البلاد وعيناي مكسورتان للأسفل. بلاد نتوق للدخول إليها ومن ثم نحاول الخروج منها بأسرع وقت لأنها لا تتعرّف علينا نحن أبناؤها المحبون، وكأنما ما عاشته من قسوة جعلها تتنكّر لتلك المشاعر الطيبة، فلا تثق بالمحبين.

ما يزيد على 10 سنوات من الدمار والعبث يُحتّم علينا أن ندخل البلاد منكسي الرؤس خافضي العيون خجلين مما وصلت إليه حال تلك الأرض. ومع الأسف حتى اللحظة لا أدرك الآلية التي علينا ابتداعها كي نتعرّف على أرضنا وتتعرّف علينا من جديد، ولربما لن تكون الحلول السياسية المطروحة بكل مساراتها كفيلة بأن تجعلنا نثق بالبلاد وتثق بنا مرة أخرى، بعد كل هذه المدة الطويلة من القطيعة.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة