هاشتاغ-رأي-مازن بلال
ما حدث في “إسرائيل” من محاولات اقتحام معسكر بيت ليد للجيش ومقر المحكمة العسكرية صورة لمسار تطرف جديد، وأحد أشكال الحرب التي تعيد صياغة التطرف الذي راكمته المعارك داخل جموع المستوطنين، وعلى الرغم من محدودية الحدث لكنه سابقة تطرح نموذجا لآليات “المجتمع الإسرائيلي” التي لم تعد تكتفي بالاعتداء على الفلسطينيين، بل تفرض صوتها على “رمز” أساسي لوجود “إسرائيل” المتجسد بالجيش.
عمليا فإن التكوين “الإسرائيلي” قام بالأساس على عسكرة المجتمع، فالمستوطنون لا يشكلون حالة خاصة فقط، بل هم العصبية التي تجعل من الممكن استقدام مهاجرين جدد، إضافة إلى كونهم عامل ردع وسط الوجود الفلسطيني الأصيل على الأرض، وغالبا ما مثلوا حالة دينية خاصة في مراحل الأزمات، فبعد عام 1967 أغرقت منظمة غوش أمونيم “الدينية” الضفة الغربية بالمستعمرات الجديدة.
التطور الجديد فرضته الحرب بدءاً من قرار تجنيد المتدينين وصولا إلى حالة التطاول الأخيرة على الجيش، فالبنية “الإسرائيلية” التي تبدلت كثيرا منذ أواسط الثمانينات بفعل هجرة اليهود الروس، وأصبحت الأحزاب الدينية تشكل عوامل ترجيح نجاح تشكيل الحكومات “الإسرائيلية” المتعاقبة؛ وصلت اليوم إلى نقطة حرجة بعد تسعة أشهر من الحرب تعد الأطول في تاريخ الصراع العربي – “الإسرائيلي”، فعلى الرغم من محدودية الحدث لكنه مؤشر أساسي في اتجاهات “هوية الدولة الإسرائيلية” التي سعت سابقا لتكون جزءا من المنطقة، وهي اليوم تحمل معها “تطرفا دينيا” خاصا يصعب تجاهله في أي مسار سياسي مستقبلي.
تملك “إسرائيل” صورتين اليوم على مستوى التعبير عن سياساتها، إذ تتضح الأولى في خطاب رئيس وزرائها بنيامين نتنياهو أمام الكونغرس الأمريكي، إذ وضعها امتدادا للثقافة الأمريكية عموما، وحاول جعلها ضمن خط الدفاع عن الديمقراطيات في العالم، وهذه الصورة على المستوى الاجتماعي مدعومة بشراكات قوية مع المؤسسات العالمية في مختلف المجالات، لتبدو “إسرائيل” جزءا من منظومة أوسع لأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.
الصورة الثانية تتضح في تطرف لا يختلف كثيرا عن وحشية “إسرائيل” المعتادة منذ تأسيسها، لكنها لا تملك حالة الانسجام مع التصورات الأوروبية على الأقل، وهي تقدم جموع المستوطنين الذين يمثلون الذراع القوية داخل مجتمع منخرط مع الغرب في التفاصيل الثقافية كافة، وهذا الأمر أثار حفيظة الأوروبيين طوال العقدين الماضيين، إذ كان بناء المستوطنات جزءا خلافيا في علاقة “إسرائيل” مع الأوروبيين.
بالتأكيد فإن هذا التناقض لا يعني نهاية “إسرائيل”؛ حتى ولو تكررت الصدامات بين المتطرفين و “الجيش الإسرائيلي”، لأننا أمام حالة مركبة قائمة بالأساس على غطاء دولي داعم على المستويات كافة، وفي الوقت نفسه على عصبية لا تزال فاعلة داخل “الدولة الإسرائيلية”، لكن الحروب الطويلة تطرح تداعيات غير متوقعة، وهو ما يجعل سابقة اقتحام المعسكر “الإسرائيلي” أمرا يستحق النظر إليه في ظل احتمالات حرب إقليمية، فالتطرف الذي نشأت عليه “إسرائيل” يقدم اليوم مشكلات جديدة سيواجهها الفلسطينيون بالدرجة الأولى، وستمتد أيضا مع المسار السياسي الذي يريد إنشاء نظام أمن إقليمي محوره الأساسي “إسرائيل”.