هاشتاغ _ مازن بلال
ضمن شكل أولي فإن العالم ظهر بصورة “افتراضية” منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، ورغم أن الانقسام العالمي العميق لم يظهر إلا ضمن قطبين أساسيين هما روسيا والولايات المتحدة، لكن الاستقطاب هو معركة ربما تطول ولا ترتبط بالضرورة بسير العمليات القتالية، فالاشتباك الحقيقي يحدث على مستوى تعديل موازين القوة في مختلف أنحاء العالم.
بالتأكيد فإن موسكو وواشنطن وصلتا إلى مرحلة “سكون” على مستوى إدارة الملفات الدولية، والمثال الأكثر وضوحا يظهر في الأزمة السورية التي دخلت مرحلة من العجز عن أي تبديل على مستوى الأزمة، وفي المقابل فإن الأدوار الإقليمية تبدو أيضا عاجزة عن خرق “حالة السكون” نظرا للتماس العسكري الأمريكي – الروسي في الأراضي السورية.
عمليا فإن الحرب الأوكرانية كانت “قفزة” سياسية روسية بعد جمود الملفات الدولية بشكل عام، وبغض النظر عن قدرة روسيا على تبديل الموازين أو عجزها عن ذلك، فإن الحرب أوضحت درجة العداء بين الطرفين التي أدت للوصول إلى اشتباك دولي اقتصادي حتى اللحظة، ففي الرهان الأمريكي اليوم يصبح حصار روسيا “درسا سياسيا” على مستوى العالم، فهو ليس اختبارا للمؤسسات التي تدور في فلك واشنطن بل تكريس لدورها “السيادي” على مستوى النظام الدولي.
حتى اللحظة هناك حالة من عدم اليقين في نوعية التوازن الممكن، فالولايات المتحدة وروسيا وضعتا إمكانية العودة إلى مرحلة ما قبل الحرب الأوكرانية أمرا مستحيلا؛ في وقت تتحرك أوروبا ببطء شديد لتثبت توازن بين الطرفين الدوليين، فالاتحاد الأوروبي خسر المساحة السياسية الممكنة عبر هذه الحرب وذلك لاعتبارين:
– الأول أنه من الطبيعي أن تتخذ أوروبا موقعا مناهضا للحرب، ولكنها في نفس الوقت لم تتعامل معها كفرصة لتكريس دور لها يدخل ضمن التوازن الدولي، فرغم تردد بعض دولها في اتخاذ إجراءات حاسمة بشأن الحرب، لكنها في نفس لم تتعامل مع الافتراق الدولي على أنه الأكثر تضررا من هذا الموضوع.
يبدو الموقف الأوروبي أكثر تشتتا مما هو متوقع، فالاتحاد لم يتفكك لكنه لم يقدم استراتيجية، بينما ظهر الناتو كعصبية للقارة العجوز، ويحسب هذا الموضوع لمصلحة الولايات المتحدة التي استطاعت تكوين جبهة موحدة، في المقابل فإن الأدوار السياسية الأوروبية مثل الدور الفرنسي ينحسر رغم النشاط الفرنسي الملحوظ تجاه روسيا وأوروبا في آن.
– الثاني يرتبط بالدور الألماني الذي كان متوقعا أن يتطور أسرع مما يظهر، وذلك لكسر الموقع المحدود الذي فرضته نتائج الحرب الثانية، فالعملاق المالي الألماني يواجه خيارات صعبة في ظل بقائه ضمن المساحة الأمريكية.
الحرب الأوكرانية أعقد من المظهر العسكري لأنها كسرت قواعد النظام الدولي بخوض حرب في أوروبا، فعلى مستوى التقدير العالمي فإن روسيا دخلت في مغامرة استراتيجية، أما على الجانب الأمريكي فهناك رهان على البني الروسية وعدم قدرتها على تحمل حرب طويلة وعجزها أيضا على رسم بدائل دولية لمؤسسات النظام الدولي الحالي، فالحرب اليوم هي تصادم استراتيجيات غير قادة على مواجهة عسكرية مباشرة نظرا للبعد النووي الذي يحكم العالم، فكانت أوكرانيا ملعب كسر الإرادات بين القوى الدولية.