هاشتاغ _ إيفين دوبا
أثار موضوع “البدل النقدي” في سوريا عبر “البطاقة الذكية” الكثير من الجدل، واعتبره كثيرون خطوة لإلغاء سياسة الدعم الحكومي بشكل كامل.
وكشف وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، الدكتور عمرو سالم، عن دراسة تجري حاليا لتقديم الدعم النقدي عن طريق مبلغ يوضع على” البطاقة الذكية”.
وأكّد أنه “لم تحدد قيمة المبلغ، والدارسة لم تنته بعد. ومن الممكن أن تكون قيمة المبلغ أكبر من القيمة المحددة حالياً للمواد المدعومة من سكر، وأرز، وخبز”.
وأوضح الوزير السوري القصد أن يكون المبلغ نقدياً، عبر تقسيم الكلفة المقدمة للدعم الحالي على أصحاب البطاقات حسب عدد أفرادها، مع إبقاء أسعار المواد على ما هي عليه حالياً.
وأشار إلى أن قيمة الدعم هي 5 ترليون ليرة موزعة على 4 ملايين بطاقة. ووعد بتطبيق الأمر قبل نهاية العام الحالي.
مبررات حكومية
لا تزال مسألة هيكلة الدعم شغل الحكومة الشاغل دون الثبات على رأي أو آلية حتى اليوم.
وتؤكد مصادر حكومية أنّ الهدف من القرار “تحديد كمية الاستهلاك والاستمرار بتوفير المواد الغذائية ومنع الاحتكار” وسط العقوبات الاقتصادية على سوريا.
بدأت الحكومة السورية منذ العام 2018 بتطبيق آلية “البطاقة الذكية عبر نوعين لها؛ البطاقة الذكية العائلية، توفّر من خلالها الخبز يتم توزيعه على المواطنين بحسب عدد أفراد الأسرة، والتموين مثل السكر والأرز والزيت والشاي والمياه المعدنية.
أما الثانية، فهي بطاقة المحروقات كالغاز والمازوت والبنزبن، يتم من خلالها تحديد مخصصاتها بحسب نوع المركبة وبآلية محددة”.
مخاوف من تبعات القرار
استقبل السوريون القرار الحكومي بمخاوف عدة. إذ اعتبره كثيرون مقدمة لرفع الدعم بعد تكرار تجارب ترشيده، والتي أسفرت عن ارتفاع الأسعار وزيادة معدلات الفقر.
وكشف مدير مكتب الإحصاء المركزي السابق شفيق عربش أن معدل الفقر في سوريا بلغ 90 في المئة بين عامي 2020 و2021 وفقاً لإحصائيات رسمية غير معلنة.
وارتفعت نسبة التضخم في سوريا لعام 2022 إلى أكثر من 130 في المئة، واحتلت سوريا مرتبة متقدمة ضمن قائمة أكثر اقتصادات العالم تضخماً، حيث جاءت بعد فنزويلا والسودان ولبنان. بحسب موقع “تريندينغ إيكونوميك” الاقتصادي.
وأول “بشائر” التخلي عن الدعم ما أصدرته وزارة التجارة الداخلية الأحد الماضي برفع أسعار مبيع السكر “الحر” للمستهلك بنسبة 20 في المئة بهدف توفيره.
وتعتبر الحكومة خطوة “ترشيد الدعم” وسيلة لمحاربة تهريب المنتجات السورية، كما حصل سابقاً، عند تهريب الوقود إلى لبنان وبيعه بأسعار ضئيلة ما قد يؤثر سلباً على السوق السورية التي تعاني شحاً في تلك المنتجات وفي الموارد الأجنبية.
وقبل أيام، اعترف سالم في تصريحات صحفية أن أسعار دول الجوار أرخص من الأسعار في سوريا، والسبب هو الرسوم الجمركية، مضيفاً أن المواد المدعومة تؤمّن 32 في المئة من حاجة السوريين.
أصل الدعم وأسبابه
تقوم فكرة الدعم النقدي على بيع السلع والخدمات من قبل الحكومة بسعرها الحقيقي، ثم حصر الوفر الناتج عن إلغاء الدعم عن السلع والخدمات، وتقسيمه على الأسر، على شكل مبالغ نقدية شهرية. ويرى العديد من الخبراء أنّ مقترح التعويض النقدي بدلاً من دعم السلعة “يأتي ضمن خطة لاستبعاد فئة جديدة من الدعم قد تصل إلى 3 مليون سوري”.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2021 الماضي توقّع وزير التجارة الداخلية استبعاد أكثر من نصف مليون سوري من الدعم قبل نهاية 2021 عند بدء تطبيق العمل بالبطاقة الذكية.
وفي بداية العام الحالي قالت معاون وزير الاتصالات فاديا سليمان إن الهدف من إعادة تنظيم الدعم الحكومي وإعادة تصويبه هو توجيه الكتلة الأكبر منه للشرائح المستحقة.
وعليه تمّ استبعاد 15 في المئة من البطاقات الأسرية و47 في المئة من بطاقات الدعم للسيارات الخاصة.
الدعم والرفع
تسبّب الارتفاع المستمر للأسعار خاصة للمواد الأساسية بزيادة معاناة السوريين، الذين يعيشون أساساً وضعاً اقتصادياً سيئاً في ظل انخفاض قيمة الليرة الشرائية، وتدنّي الرواتب في القطاعين العام والخاص.
ويبلغ متوسط راتب الموظف في سوريا نحو 100 ألف في حين لا يتجاوز 200 ألف ليرة في القطاع الخاص.
وقبل أي نقاش لقيمة البدل النقدي المنتظر، يقول خبراء إنّ قيمة ذلك البدل يجب أن تكون مساوية تماماً لقيمة ما تبقى أساساً من دعم، وإلا فإنّ التضخم المستمر وارتفاع الأسعار سيعني أنّ البدل المفترض ستتبخّر قيمته بعد أشهر قليلة من إقراره.
ووفقاً لمؤشر “قاسيون” الربعي في آخر إصدارٍ له، فإنّ الحد الأدنى لمستوى معيشة أسرة مكونة من 5 أفراد هو 2.234.339 ليرة، في حين لا يزال الحد الأدنى للأجر عند حدود 93 ألف ليرة.
وارتفع معدل الإعالة نتيجة تدهور الظروف السورية، حيث بات من الممكن الافتراض أنّ معدل الإعالة لأسرة من 5 أفراد بات 2 بدلاً من 1.4 الذي كان في 2010 (أي أنه وسطياً، في كل أسرة سورية، من 5 أفراد يعمل فردان لتأمين إعالة الأسرة). وعليه، فإنّ القوانين التي ينبغي أن يحسب ضمنها الحد الأدنى للأجور والحد الوسطي والحد الأعلى، وفقاً لهذه الأرقام، يتطلّب زيادةٌ تضاعف الحد الأدنى الحالي 12 مرة قبل التحول للدعم النقدي.
نتائج “كارثية”
استبعد المحلل الاقتصادي نديم محمد في تصريحات لـ”هاشتاغ”، إمكانية تحويل الدعم إلى نقدي لعدة أسباب، أبرزها العجز الكبير في الموازنة العامة وشح الموارد.
وطالب الأستاذ في كلية الزراعة بجامعة تشرين، الدكتور أمجد بدران وزير التجارة بتقديم آلية الدعم الجديدة عبر طرح أمثلة رقمية قبل البدء بتنفيذها وإلا فقد “تكون لها نتائج كارثية”.
وقال لـ”هاشتاغ”:” أرجو عدم القيام بحركات باراشوت من الوزارة قبل مناقشتها مع الناس بأمثلة رقمية”.
وأضاف: “يكفينا ما رأينا من فشل معالجة الشكاوى وفشل التسعير في الوزارة وفشل قدرتها على التدخل في الزيت وغيره”.
الهروب إلى الأمام
بدوره، قال الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف إنه تمّ تحميل البطاقة الذكية أكثر ما يمكن أن تتحمله، من خلال بناها التحتية وعدم استعداد الحكومة الحالية للتحول إلى حكومة إلكترونية.
وعدّ يوسف فكرة اعتماد توزيع الدعم منذ البداية عبر البطاقة الذكية بمثابة “الهروب إلى الأمام”.
وأضاف في تصريح لـ”هاشتاغ”: “تحتاج الحكومة الالكترونية إلى مليارات الدولارات وبنى تحتية وتأسيسية، بالإضافة إلى خبرات عالية جداً، والحكومة الحالية اختصرت الحكومة الإلكترونية بما يسمى ببطاقة ذكية، وهذا غير منطقي، ولا يمكن أن يكون هذا الحل ناجحاً بهذا الشكل”.
ويوضّح أنّ الحكومة ستحتاج “لآلاف المحاسبين، أو توفير آلاف أجهزة الصراف ATM، وكلا الأمرين صعب بالنسبة لها، فالمقترح من الناحية النظرية جيد، ولكن من الناحية التطبيقية يعد صعباً للغاية”.
آليات الدعم ومخاوفه
استبدال الدعم ببدل نقدي يقدم لكل أسرة، من أكثر الطروحات التي تمّ تداولها. ولم يستبعد وزير المالية السوري كنان ياغي في تصريحات سابقة إمكانية دراسة رفع جزء من دعم الخبز والمشتقات النفطية وتوزيع الإيرادات المتحققة منها على المواطنين عبر زيادة الرواتب.
ويرى أستاذ الاقتصاد في جامعة حلب الدكتور حسن حزوري، “ضرورة الاستمرار بالدعم مع إصلاح آلياته الحالية ووصوله إلى مستحقيه، والانتقال التدريجي من دعم السلع إلى دعم الأفراد والأسر نقدياً”.
ولكن، ما يخيف في هذا السيناريو وفقا لحزوري، يتمثل في إمكانية إيقاف الحكومة للدعم النقدي في أي وقت، وفي عجز الدعم النقدي عن مواكبة معدل التضخم الذي قد يتسارع مع تحرير أسعار بعض السلع المدعومة حالياً، وزيادة نسب البطالة بعد أن انخفضت.
وحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء، انخفضت معدلات البطالة منذ عام 2015 حين كانت نسبتها 48.3 في المئة إلى 20.9 في المئة عام 2020، بعد أن كان عدد العاطلين عن العمل يتجاوز 2.4 مليون وانخفض إلى 1.2 مليون شخص تقريباً.
ويقول اقتصاديون إنّ وقف العمل بالدعم السعري لا يعني إلغاء العمل بالبطاقة الذكية، بل سيأخذ العمل بالبطاقة بعداً إحصائياً.
ويمكن أن تتنوع آليات تقديم التعويض المالي بعد استبعاد نسبة كبيرة من السوريين بين اعتمادها كأجور ورواتب مضافة، أو ربطها بالبنوك ما ينشط السيولة النقدية فيها.
ويرى الصحفي الاقتصادي زياد غصن إنّ “المنطق يفرض أن تكون هناك دراسات ومسوح إحصائية، تستشرف كل السيناريوهات المحتملة بعيد رفع الدعم من قبيل، نسبة الزيادة التي ستطرأ على معدل التضخم في البلاد وحدودها، وتأثير رفع الدعم على حياة الأسر السورية ومستواها المعيشي سلباً أو إيجاباً.
وأضاف بأن ذلك يجب أن يستند إلى دراسات ومسوح ميدانية لأسر من مختلف الشرائح الاجتماعية، وأوجه الإنفاق التي ستلجأ إليها الأسر للاستفادة من مبلغ الدعم النقدي المحمل لكل منها على البطاقة الإلكترونية”.