هاشتاغ- يسرى ديب
السيناريو ذاته يتكرر باستمرار انقطاع المادة، ارتفاع أسعارها بشكل كبير في السوق الحر، ثم شائعات عن رفع سعرها يتلوه نفي لا يلبث أن ينتهي بقرار رسمي يعلن السعر الجديد، فيستقبله الناس ببساطة.
ارتفاع أسعار المواد المدعومة بالنسبة لغالبية السوريين أشبه بأخبار الطلق الناري الذي يسدد هدفه ويصيب، كما وصفه الكثير ممن تحدثنا إليهم.
يقول الموظف في أحد معامل الغزل سمير حداد لـ”هاشتاغ” إن ارتفاع الأسعار في الأسواق حدث يومي وقد يحصل في اليوم أكثر من مرة للكثير من السلع، لكن وقع رفع الأسعار من قبل الحكومة أقسى وأكثر صعوبة، إذ أن الجهة التي ترفع أسعار لا طاقة للناس بها هي ذاتها التي يجب أن تعمل على تحسين حياتهم ومداخيلهم.
ويشير إلى إن طريقة الترويج لرفع أسعار المواد المدعومة أصبحت معروفة ومكشوفة يعرفها حتى الأطفال!.
وكما الكثير من المستنكرين على صفحات التواصل الاجتماعي، استغرب حداد تناقض تصريحات وزير التجارة الداخلية عمرو سالم حول قيمة الدعم الذي يقدم للخبز، وصعوبة تحويل هذا المبلغ إلى دعم نقدي بسبب ارتفاعه.
وتساءل حداد عما يحول دون دفعه نقداً للناس، إذا كان المبلغ الذي أعلن عنه يدفع فعلاً لدعم الخبز؟
القدرة على الإقناع
الخبير الاقتصادي الدكتور محمد كوسا قال لـ” هاشتاغ” عند إجابته عن السؤال حول أسباب اعتماد طريقة استغفال الناس عند التخطيط لرفع سعر مادة، بالإشارة إلى أن أي شخص يريد التحدث عن أي مشكلة فعليه أن تكون لديه معلومات وافرة عن الموضوع.
مضيفاً: “في حال عدم معرفته الكافية، فيجب أن يمتلك القدرة على الإقناع، مع التنويه إلى أن أي نشاط أو سياسة أو هدف يجب أن يمتلك أيضا منطق يستطيع من خلاله البقاء والقبول في مواجهة سلسلة من ردود الأفعال”.
ويرى كوسا أنه “أيّاً كان الذي يتحدث عن موضوع الدعم سواء المسؤول أم غيره من الأطراف المستفيدة أو المتداخلة فيجب أن يحقق شرط المعرفة الكافية بالدعم من حيث أنواعه وأسسه وأدواته وطرق تأديته والشرائح المستهدفة، والأهم معرفته بالسياسة الوطنية التي تتبعها الدولة نحو الدعم والغايات والأهداف المطلوبة منه أو أن يعرف الغرض والهدف من إعادة هيكلة الدعم وإذا لم يكن عارفا عليه أن يكون مقنعا في تناول الموضوع”.
ويشير كوسا إلى أن الأهم من كل هذا من وجهة نظر اقتصادية أن نعرف الإجابة على سؤال ملح وهو: كيف نقارب بين تكاليف الدعم وبين الاحتياجات التي يلبيها الدخل؟ وهنا نجد لكل الأطراف أعذارها حيث أن الدخل منخفض عند الأغلبية من المواطنين والأسعار كل يوم في موقع، وعندما تختلف الأسعار تتعطل النظريات ولو جزئياً. وليس هنالك رأي مخطئ ولا رأي صائب”
ويلفت كوسا إلى أنه “إذا كان لابد من قول فهو التأكيد على أنه على أهل الحل والربط أن يعملوا على توازن هيكل الأجور وتكلفة الحصول على الاحتياجات الأساسية”.
الشغل الشاغل
من جهته، يرى الخبير الاقتصادي والصناعي السوري الدكتور شادي دهام أنه وسط كل الأزمات الخانقة التي يعيشها السوريون، بحيث لم يعد على لسان الناس في بلد أرهقته حرب لأكثر من 11 عاماً ونصف، إلا معضلة “رفع الدعم الحكومي”، فقد انشغل المواطنون على مدار هذا العام بتطبيق “وين” من جهة وانتظار الرسائل النصية من جهة أخرى.
وأفادت الحكومة أن التخلي عن سياسة “الدعم الحكومي” سيكون لفئات محددة من المجتمع السوري، حيث استبعدت فئات من الدعم الحكومي للمواد الأساسية كالخبز، والغاز، والمازوت، والبنزين والمواد التموينية، زاعمة أنها تشمل الفئات “الأكثر ثراء”، لكن الحقيقة وفقا لدهام أن دخل تلك الفئات لا يتجاوز معدل 50 دولاراً أمريكي شهرياً، ناهيك عن الأخطاء التقنية التي حصلت باختيار الفئات المستبعدة والتي صرح عنها وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم..
لهم مبرراتهم
يعتقد دهام أن “الأزمة المالية المتفاقمة للحكومة السورية دفعت باتجاه رفع الدعم، واعتبرت هذه الخطوة ضرورة حتمية بسبب تضاؤل قدرة الحكومة على توفير الاحتياجات الرئيسية، مع فرض عقوبات اقتصادية، وعلى وقع تدهور سعر صرف العملة المحلية”.
وأضاف ” تعاني البلاد منذ سنوات من عدة أزمات شملت الوقود والطاقة والخبز، إضافة إلى انهيار الليرة، الأمر الذي تسبب بآثار كارثية على كل مفاصل الحياة فيها، وجعل منها حياة متاحة بشق الأنفس” كما قال.
خطط مكررة
يبيّن دهام أن الحكومة اعتمدت على طريقة عند فقد أي مادة رئيسية تنوي رفع سعرها عن السوق لأيام متتالية، حيث “تصدر الشائعات على كافة وسائل التواصل الاجتماعي عن رفع الأسعار، ثم تقوم الحكومة بنفي هذه الشائعات نفياً قطعياً على لسان مسؤوليها. ومن ثم يتفاجأ الشارع السوري برفع سعر المادة بعد عدة أيام.”
ويقول: رفعت وزارة التجارة الداخلية سعر المحروقات وصرحت بأن قرار رفع سعر المحروقات أتى “بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط، وضماناً لعدم انقطاع المادة أو قلة توافرها”، بعد أن نفت ببيانات رسمية بفترات قريبة صحة الأنباء التي تتحدث عن زيادة قريبة في أسعار الوقود، ومن هنا يكون خبر النفي تمهيداً لرفع أسعار الوقود.
غياب البدائل
يختم دهام حديثه بشرح الحالة العامة للاقتصاد والناس، فيقول إن “البلاد تشهد أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة جراء ارتفاع الأسعار بشكل مستمر واستغلال التجار، وانهيار قيمة الليرة السورية، وارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم، وتدني الرواتب سواء في القطاع العام أو الخاص وعدم توافقها مع الأسعار، وندرة في المحروقات وانقطاعاً طويلاً في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يومياً دون وجود بدائل حقيقية، وتأخر رسائل الحصول على المشتقات النفطية والمواد الأساسية عبر “البطاقة الذكية”، فضلاً عن غياب الرقابة وفشل الحكومة في ضبط الوضع الاقتصادي المنهار”.