هاشتاغ-مازن بلال
تتبدل التحليلات بشأن حرب غزة مع تتابع أيام الحرب وأشكال العنف التي تمارسها “إسرائيل”، فبعد ثلاثة أسابيع لم يعد مفهوما الأبعاد الكاملة لعمليات التدمير الممنج التي تحدث على طول قطاع غزة، وفي نفس الوقت فإن الاستنفار الدولي وراء “القيادات الإسرائيلية” لم يتراجع رغم كافة التصريحات التي تتحدث عن البعد الإنساني، فالمحرقة في غزة تبدو وكأنها “آلية دولية” أكثر منها تكتيك عسكري لاجتياح بري أو للقضاء على حماس.
في المقابل فإن “محيط فلسطين” ينتقل بشكل تدريجي إلى مرحلة تصفية الحسابات، رغم كل الادعاءات الأمريكية بضرورة عدم توسيع الحرب، ففي حالات الاستنفار العسكري يصعب حصر التداعيات التي تفرضها المعارك، والاستهدافات للقواعد الأمريكية في المنطقة التي لا تظهر فاعلية حقيقية، لكنها “إعلان حرب” يصعب التحكم به حتى ولو لم يؤد لأضرار تطال الجنود الأمريكيين، فهي في النهاية مواجهة تشبه “صواريخ القسام” التي تجعل “إسرائيل” في استنفار دائم رغم أضرارها المحدودة.
أقرأ المزيد: غزة.. المواجهة الدولية
عمليا فإن الحرب على غزة اتخذت مسارا لا يرتبط مباشرة بعملية طوفان الأقصى، وكونت جبهات متنقلة على طول التواجد الأمريكي في سورية والعراق، وفي المقابل رسمت شكلا للعلاقات الإقليمية يشبه الحالة التي سادت قبل الربيع العربي، فهناك حراك دبلوماسي مكثف يفتقر إلى تصور واضح يمكن عبره مواجهة الحالة الأمريكية – “الإسرائيلية” في الأروقة الدولية، وتبدو التسريبات الإعلامية حول هدنة إنسانية أو صفقة لتبادل الأسرى محاولة للقفز فوق الأثر العميق الذي خلفه التحرك الأمريكي والأوروبي خلال الأيام الأولى للحرب.
أقرأ المزيد: احتمالات الحرب الإقليمية..
المفارقة الأساسية أن “الانتصار” في هذه المعركة مستحيل لأن ما حدث أحرق كل أوراق السياسية دفعة واحدة، حتى لو توقفت المعارك أو حدث تبادل لـ”الأسرى” فإن “إسرائيل” و “الشرعية الدولية” أنهت وبشكل فعلي قدرة أي فلسطيني على التعامل خارج منطق القوة، ورغم أن عملية السلام التي بدأت في أوسلو لم تكن قادرة على وضع خطوة أولى لـ”السلام”، لكن ما يحدث اليوم مختلف لأنه يدفع عمليا ما يسمى “التطرف” إلى موقع خاص ليصبح حالة ثقافية وليست فقط سياسية.
قبل عملية “طوفان الأقصى” كانت عملية السلام “منتهية” على المستوى الإقليمي، فـ”إسرائيل” تجاوزت المسار التقليدي عبر التفاهم مع الفلسطينيين وفتحت مسارات إقليمية واسعة لتضع المجتمع الفلسطيني أمام خيار وحيد هو القبول بحالة “السكون السياسي” في مقابل ديناميكية الانفتاح العربي على “إسرائيل”، وهذه المعادلة ربما تبقى حتى بعد توقف الحرب على غزة، إلا أنها تشكل مساحات توتر على مستوى العلاقات الإقليمية، لأنها تسعى لتقرير “هزيمة” سياسية على المستوى العربي أمام معادلة القوة المفروضة ليس عسكريا فقط بل وسياسيا على مساحة شرقي المتوسط، وهذا الأمر سيولد العنف بأشكال مختلفة، وسيجعل تداعيات حرب عزة في عمق الأمن الإقليمي المهزوز أصلا.
الخروج من حرب غزة سيكون مسارا صعبا لأنه تأسيس لمعادلة قوة مختلفة، فتعامل “إسرائيل” اليوم يجعل من العنف جزءا من المسارات الاجتماعية والسياسية في المنطقة، ومعادلة القوة لا تحتاج إلى العنف العشوائي الذي اختبرته المنطقة بعد “الربيع العربي”، وما بعد حرب غزة سيضعنا أمام اختبار مواجهة هذه التداعيات إضافة لبناء توازن استراتيجي في مواجهة عدو غير قادر على البقاء خارج “معادلات العنف”.