هاشتاغ-مازن بلال
تمثل الهدنة المؤقتة في غزة صورة لطبيعة الحلول الإقليمية، ومشهدا طالما تكرر في الأزمات التي عصفت بالمنطقة، حيث يصبح خفض التصعيد غاية نهائية لضمان التوازن القلق في دول الجوار الجغرافي لـ”إسرائيل”، وما يحدث اليوم لا يتضمن “كسر العداء”، فمنطق المبادرات الدولية عموما ابتداء من مبادرة روجرز أوائل سبعينيات القرن الماضي هو تكريس الأدوار الدولية، بينما كانت القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن تبحث عن فض الاشتباك وإعادة الوضع بشكل مبهم إلى ما قبل بدء المعارك كما في القرار 242.
ما يضع هدنة غزة ضمن الصورة الإقليمية العامة لا يرتبط بسير اتفاقية التبادل بين حماس و “إسرائيل”، إنما بالتصرف “الإسرائيلي” الذي يتجاوز غزة إلى ضرب مطار دمشق الدولي، وذلك في إعلان صريح لحالة الحرب المفتوحة في المنطقة، ورغم أن التصريحات التي يطلقها المسؤولون الإسرائيليون تعلن صراحة استمرار الحرب في غزة بعد انتهاء الهدنة، لكن تصرف جيش الاحتلال يتجاوز غزة إلى المساحة الأوسع باتجاه سوريا.
أقرأ المزيد: المكاسب الإقليمية في غزة
بالنسبة للأمم المتحدة أو للعواصم الأوروبية والولايات المتحدة فليس هناك مشكلة في المعارك داخل أو حول سوريا، فهي تعتبر بعد 13 عاما من الحرب أن دمشق هي نقطة الارتكاز في كسر توازنات المنطقة، ففيها خطوط التماس مع الجانبين الروسي والإيراني، وضمن الصراع أيضا عوامل التأثير على الجانب التركي الذي يملك أزرعا في الشمال السوري، وخطوط المجابهة في سوريا هي نفسها بوابات لتكريس أدوار متفاوتة في الإقليم وفق المنطق الأمريكي، والاعتداء على مطارها الدولي يدخل ضمن التلويح بالقوة أحيانا، أو تكريس المساحة المفتوحة للمجابهة مع روسيا وإيران، وهذا التفكير يرتبط بـ”الاستراتيجية الإسرائيلية” من جانبيين:
الأول تبديل معادلة السلام التي بدأت في مدريد بـ”توليفة” مختلفة، فالحرب ضد سوريا أو لبنان لا تعني عدم السير في السلام مع النطاق الجغرافي الأبعد في دول الخليج أو المغرب العربي أو حتى السودان، فالسلام أصبح ضمن المحيط وليس في مركز الصراع.
أقرأ المزيد: غزة وعناوين غائبة
ربما فتح العدوان على غزة الجرح الفلسطيني عند الطرف العربي عموما، لكنه في نفس الوقت أوضح أن معادلتي الصراع والسلام لم تعد ترتبط بالحقوق الفلسطينية أو العربية عموما، إنما بطبيعة المنظومة الإقليمية التي بدأت تظهر (دون أن تكتمل) بعد أحداث الربيع العربي، حيث تصبح المواجهات مهما احتدمت حدثا هامشيا يُفعل أدوار الدول المرتبطة باتفاقيات مع إسرائيل، ويغدو ضرب مطار دمشق الدولي “عنفا” عابرا وليس اعتداء على السيادة أو انهيارا لمفهوم السلام.
نهاية الحلول السياسية للمسألة الفلسطينية بشكلها التقليدي على الأقل بالنسبة لـ”إسرائيل”، فالمواجهات في محيطها لا تعني شيئا مقابل كسر معادلة النظام العربي في المواجهة، فهناك أقطاب عربية مختلفة بدلت كل المنظومة العربية.
لا يختلف الاعتداء على مطار دمشق الدولي عن كافة المجازر في غزة، فهناك منطق سياسي واحد يحكم الأمرين، والعزل السياسي للصراع مع إسرائيل عن المنظومة الإقليمية سيستمر ليكرس تجاوزا لكل المعادلات القديمة في الصراع، فالصورة القديمة للمنطقة القائمة على دولة ذات سيادة كاملة تتحول اليوم إلى دول بأسواق مفتوحة ومناطق حرة تمحي كل الصور القريبة لتاريخ المنطقة.