الجمعة, أكتوبر 18, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةفنالدراما السورية في المستنقع..الحل عند محمود إدريس!

الدراما السورية في المستنقع..الحل عند محمود إدريس!

هاشتاغ سوريا – وسام كنعان

في العام الماضي علت بعض الأصوات المتحمسة دون دراية لتوهّج الموسم الدرامي السوري، واعتبرته أنه بداية العودة للمكان الريادي، على أساس أن الصنعة تنفسّت من جديد! يومها قلنا بأن الأمر لا يتجاوز طفرة ستتهاوى سريعاً لأن الأمر يحتاج إلى مقّومات غير موجودة أصلا! وأن عودة قناة «أبو ظبي» للاستثمار في السوق السورية يقوم على مجموعة من المنتجين المنفّذين، بعضهم يمكن القول بثقة أنه ملتهم حقوق، ونصّاب محترف، كونه حتى الآن لم يسدد أجرها لمستحقيها من مسلسلات صوّرت العام الماضي، كما يزعم هؤلاء المنفّذين بأنهم أصحاب فضل ومنّة إذا أتوا بمشاريعهم إلى سوريا، ولم يصوّروها في لبنان مثلاً، وفي ذلك مغالطة ووهم كبيرين، لأنهم يصوّرون في بلد تملك استديوهات طبيعية جذابة وبنية تحتية مهمة، وخبرات عملية متراكمة، خاصة في سوق الفنيين عصب الصناعة الدرامية، فضلاً عن الكلفة الانتاجية الأرخص من أي بلد في المنطقة، رغم الغلاء الفاحش الذي بات يرهق كاهل المواطن السوري! على أيّة حال نتائج ما قلناه ظهرت في الموسم الحالي! موسم التلّوث البصري والمراهقة الفعلية، وتصدير الأميين والجهلة على أنهم كتّاب ومخرجين وممثلين! هذه الحقيقة يمكن مناقشتها في غالبية المسلسلات السورية والمشتركة التي تجتاح الهواء خلال شهر رمضان، ولن يتمّكن سيل الطبّالين المنتشرين على صفحات النجوم على الفايسبوك من التشويش عليها، كذلك سيعجز قطيع المحسوبين زوراً على حقل الصحافة من مواراتها، بحجة أنهم ينسجون مقالات ركيكة تمدح أولياء نعمتهم! وفيما يبحث الجادون فعلاً عن حلّ، نجده بين أيدي السوريين أنفسهم، بعيداً عن فكرة سوق العرض، وإطلاق مجموعة من محطّات من شأنها نشل الصناعة واحتكامها لرأس مال وطني. باعتبار أن السلطة في سوريا أبعد ما تكون عن التفكير بفتح السوق الإعلامية. فما الحل إذن لنخرج من هذا المستنقع الذي بتنا في قاعه؟
جواب هذا السؤال العملي عند السيناريست السوري محمود إدريس الذي أفنى سنوات من عمره وجزءاً من خبز يومه، لإنجاز منصة يستحق عليها براءة اختراع حقيقية! المنصة تحمل اسم Choice (خيار) تقدّم منطقاً عصرياً وطازجاً لفن الدراما، وبصيغة مكثّفة وأسلوبية حديثة، تطوّع الفكرة التفاعلية التي قامت عليها السوشال ميديا وغزت العالم، لحساب الدراما هذه المرّة على أن يكون المتفرّج جزءاً حقيقياً من العمل الدرامي، وذلك من خلال اختياره بنفسه عند كلّ ذروة وعقدة، الحل الذي سيذهب إليه البطل! بمعنى أن الخيارات كاملة تكون قد صوّرت وحمّلت ليكون المشاهد صاحب الحلول ويتحمّل مسؤولية مصير البطل. النظرية تنسجم بشكل مطلق مع الجوهر الفعلي للدراما باعتبارها ليست فقط صراعاً بين الخير والشر، لأن الصراع أزلي ومستمر.
والأهمية فيمن يتابع هذا الصراع وكيفية تعاطيه معه وتأثره فيه. في المنصة السورية الجديدة يولي إدريس الطرف الثالث من معادلة الدراما أي العين المتفرّجة، مساحة قصوى من الفعل، وتورطيها عاطفياً للحد الأوسع، وبالتالي يمكن إجراء استبيانات جمعية تخص الحالة النفسية لشرائح محددة من الجمهور من خلال خياراتها، كما أنه يوظف الإعلان التجاري بصيغة متوالفة مع الخيار الدرامي كأن يسأل المتفرّج عن نوعية الملابس التي يمكن أن ترتديها شخصية محددة أثناء مشوار يستدعي نوعية وألواناً معينة من الثياب! كذلك ينحو باتجاه خيار التكثيف للحد الأقصى، كأن لا تزيد مدّة المسلسل كاملة عن ساعة أو ساعتين موزعّة على أجزاء! المنطق المعاصر للمنصة يحمل فكراً راهناً يوائم كل معطيات العصر وقد باتت شبه جاهزة من ناحية البرمجيات، وتصوير عمل واحد مع ممثلين محترفين بينهم: طارق عبدو ويزن الخليل وعلياء سعيد وكلّ ما تحتاجه للانطلاق ممّول متنّور يجيد القراءة بشكل سليم، إضافة لتشجيع بعض نجوم التلفزيون المكرّسين، الذي يظنّون سوءاً بمثل هذه المشاريع وسحبها البساط من تحت أرجلهم، باعتبار أنهم مازالوا حتى اليوم يجدون صعوبة في إرسال بريد إلكتروني! فكيف لهم أن يتعاطوا مع مفردات العصر بالشكل الجديد؟! أو يدركون أن صبّياً على الفايسبوك أحياناً يحقق مشاهدات، ويجذب جمهوراً ويحاكي عصره بمفرده متفوّقاً على كلّ أعمالهم!
إن أرادت الدراما السورية الخروج للنور، بعد عتم الدخلاء الذي حوّطها من كلّ جانب، وظلامية منطق المسلسلات التي تلصق نفسها باسم الشام بصورة مقيتة، ما عليها سوى نسيان الصيغة التقليدية التي تظهر عليها والمسلسلات الثلاثينية بشكلها الكلاسيكي، والأسماء التي أخذت فرصاً أكبر من مواهبها، وتكشّفت إمكانياتها بشكل حقيقي، فصار من اللزوم أن تكّف عن التجريب العبثي بذائقة المشاهد، والتخريب بالذوق العام، وربما عليها البحث عن مهنة أخرى!

ببساطة الحل عند مشروع محمود إدريس واقتراحات شبيهة! وإلا فنحن كما كلّ مفاصل هذه البلاد المتلفة نسير إلى حتفنا الأخير!

مقالات ذات صلة