هاشتاغ-نضال الخضري
موسم الدراما الرمضانية يحاصرنا قبل أسبوع من شهر الصوم، فسيل الإعلان عن المسلسلات بدأ مبكرا وكأنه مرحلة من طقوس العبادة، والاحتفاء بالشهر الفضيل لا يختلف عن أي عام سوى أن السوريين يقفون في نقطة من اللايقين، ويكفيهم أنهم حملوا الذعر الذي خلفه الزلزال وينتظرون اليوم رؤية لهلال يتكرر دائما ويرسم في مخيلتهم صورا غير معهودة عن الدراما، هذا إذا توفر لمن ينتظر ترميم منزله تلفزيون قادر على التقاط البث الفضائي.
أصبح الجميع يعرف ما يطرحه القدر قبل أن يأتي رمضان، وقبل أن يظهر الممثلون بلقطات إعلانية وهم يشاركون في الإغاثة من قلب العواصم المشبعة بالفائض التجاري، ويدرك السوريون بأكملهم وليس فقط من أصبحوا ضحايا الكارثة، أن زمنا طويلا سيمضي قبل أن يعتادوا شظف المعيشة التي فرضها انهيار منازلهم، فهي تجربة عاشها بعضهم مع بدايات الحرب عندما غدت الجغرافية مساحة كسب سياسي، فظهر النازحون واللاجئون وغيرها من المصطلحات التي وسمت الحرب السورية على امتداد أكثر من عقد.
ربما سيصبح السؤال عن الدراما شكلا من تكسير الألم، فهناك عجز في رؤية ما ستحمله الأيام لجيل ولد في الحرب وعاش بداية المراهقة مع كارثتين: الأولى اقتصادية وثانية “طبيعية” وعليه بعد ذلك اعتياد الفنون المرئية التي تنقل “فنتازيا” الصورة القادرة على جرح الجميع، فهذه الفنون المرئية على جمالها وربما ضرورة وجودها بدأت ترسم القلق أمام “جيل الحرب والزلزال”، فهو مرتاب من طبيعة البيئة التي ظهروا فيها، وثقافتهم البصرية في الحرب تتجاوز الصورة التي تظهر في التلفزيون أو من “الشاشات الذكية”، وهي ليست صورة الحرب فقط إنما ما يتجاوز المعارك ليصل إلى العلاقات وملامح الأشخاص، وتفاصيل الكآبة أو المجون، فتبدو الدراما أصغر من خيالات تحاول إبداع شخصية تشد المشاهد.
قبل رمضان نستطيع رصد الجيل الذي حاصرته الحرب خلال ولادته، وقد طارده النزوح واللجوء في سنوات عمره الأولى، فأصبحت “الريبة” و “اللايقين” معتقدا يسكنه في كل اللحظات التي ترافق بداية مراهقته، فكيف يمكننا أن نضع أمامه دراما تعيده أحيانا للقرن الثامن عشر، أو تنقله إلى تصورات أخرى ومدنا ناطقة بالعربية تبدو له وكأنه صورة مشهوة عن الفردوس المفقود؟
معضلتنا أننا نتذكر في أي حدث صورتنا الحاضرة، فرمضان يظهر أمامنا متجاوزا كل الذاكرة الاجتماعية، ويبدو وكأنه تحدٍّ للبقاء مع احتمال عدم القدرة على الإنفاق والوصول لمرحلة ما بعد الإفطار، والدراما التي ترافقه تصفعنا بصور وأبطال لا تستطيع الأجيال الحاضرة فهم الخيال الذي رسمها، فهي عاصرت ما يفوق الخيال ويتجاوزه ليس بالقسوة إنما بنوعية العلاقات التي رافقت الحرب أيضا.
بعد أسبوع ومع الاعلان عن رؤية الهلال سنتسمّر أمام اللحظات البطيئة باتجاه نهاية اليوم، وندرك أننا فقدنا خلال الحرب حالة الشغف بالذكريات لأنها أصبحت إما دراما تلفزيونية أو أنها انتهت مع جيل ظهر خلال الحرب وانتهى عنده الفضول بمعرفة أي شي خارج حلقة المعارك الذي كونت شخصيته.