الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرعن الفرق بين إنتاج القادة وإكثار "الأرانب"

عن الفرق بين إنتاج القادة وإكثار “الأرانب”

هاشتاغ _ لجين سليمان

هنا في الصين، وفي الجامعة التي أدرس فيها، لايمر يوم مناقشة رسالة الدكتوراه لأيّ طالب كأي يوم اعتيادي، إنما يصبح يوم فرح للقسم بأكلمه، فبعد عناء امتدّ لسنوات يجلس الطالب على كرسي الدفاع، ليتحدّث عما قام به خلال فترة دراسته وبذلك يتلقّى الاقتراحات من الأساتذة الحاضرين.

ولعلّ أكثر ما يميز هذا اليوم ليس فرح الطالب فقط بل احتفاء الأستاذ المشرف به. وعلى طول مدة المناقشة والتي تبلغ عادة ساعتين ونصف الساعة، تلمع عيني الطالب فرحا، لأنّه انتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر. وذلك رغم التوتر والخوف الذي ينتابه طوال فترة المناقشة إلى أن تصل اللحظة الحاسمة والتي يُتلى فيها قرار التهنئة بإعطائه درجة الدكتوراه عندها يسلّم البروفسور راية من راياته إلى طالب آخر، ليكمل المسيرة من بعده وكأنّ العلم في تلك اللحظة يتحوّل إلى أمانة تُسلّم إلى شخص يستحق مواصلة البحث.

هي لحظات مؤثرة لا تخلو من دموع الطالب ومشرفه، ذلك المشرف الذي لا يكتفي بإيصال الطالب إلى الضفّة الأخرى من العلم بل يساعده في إيجاد عمل بما يتناسب مع مقدراته.

انتهى الدفاع ودُعينا جميعا إلى مأدبة عشاء نتبادل فيها الآراء و التهنئة ليقدّم المشرف لكلّ منّا أمنيته ويحثّنا على توجّه بحثّي جديد ويحدّثنا عن المستقبل وكيف يجب أن يفكّر فيه كل منا.

في حفل مناقشة أُقيمت منذ يومين لطالب أنهى رسالته بنجاج قال “البروفسور” الكلمات التالية: “إنّ الصين تحتاجنا جميعا، ولذلك علينا أن نبذل أقصى جهودنا لننهض بها، من خلال التفكير العميق بكل المشاريع التي نقوم بها” ثم عاد ليهنئنا مجدّدا بالخريج الجديد محاولا تحديد تاريخ معيّن لكل منّا ليناقش فيه أطروحته كي لا نبقى في مرحلة الدكتوراه سنوات أكثر مما يجب.

أعطى لنا ما يريده من توجيهات بشكل ودّي ومحبّ ولم يكن ينادي أحدنا إلا بكلمة “أخ أو أخت”.

انتقلنا إلى مكان آخر لإكمال الاحتفال، وعلى طول الطريق الواصل كنت أقوم بتوجيه الأسئلة إلى “المشرف” لاكتشاف المزيد عن طريقة التفكير الأكاديمية والعلمية والمهنية هنا في الصين فقال لي: ” أكثر ما يجعلني أشعر بالسعادة هو تعبكم وعملكم المستمر، فهذه جهودكم وأنا لا أقوم إلا بالقيادة”…” القيادة!”، هي كلمة طالما سمعتها في سوريا ولم ترتبط في ذاكرتي القريبة والبعيدة سوى بكلمات أخرى لاحقة مثل صمود وتصدّي، وأنا التي كنت أعتقد أن جلّ ما ينتج عن القيادة هو الصمود على الأمعاء الخاوية والحر في الصيف والبرد في الشتاء ولم أكن أعرف أن ما ينتج عن القيادة هو هذا الكم من التطور الذي أراه هنا اليوم في الصين.

تابع قائلا: “عندما تركت عملي في أهم الشركات وأتيت إلى هذه الجامعة كان هدفي أن أصل إلى هذه المرحلة من الانسجام مع مجموعة من الباحثين، وهو ما حققته، وهي أيضا من صفات القيادة أن تعرف إلى أين نذهب وإلى أين نريد أن نصل، وها أنا في كل عام أخرّج طلابا جددا وأسلّمهم القيادة، وبعد سنوات ستستلمين أنت أيضا دُفّة قيادة ما لتكوني من الشباب الذي يصنع سوريا في قادم الأيام”..

أخافتني كلمته (أنا سأستلم القيادة!؟)..جعلتني أشعر بالتوتر وذكّرتني بإحدى لوحات بقعة ضوء عندما كبُر طموح أحد الأطفال في المدرسة وتجرّأ على القول أنه يريد أن يستلم منصبا ما فدرّبه والده على أن يكون أرنبا وشرح له أهمية وجود الأرنب في الحياة،…فنحن في بلاد تنجب أطفالا وتحوّلهم إلى أرانب كي تستمرّ الحياة لاحقا على نهج الصمود والتصدي.

ولكن ومع هذا كله وحتى تلك اللحظة لم نزل نتمنى العودة إلى هذي البلاد وإلى تلك الارض على هيئة بشر ولدوا من رحم ذلك الوطن لا أرانب يخشون التفكير.

 

مقالات ذات صلة