هاشتاغ-رأي-مازن بلال
في حرب غزة مؤشرات لا ترتبط مباشرة بالعمليات العسكرية أو التفاوض أو حتى بالوضع الإنساني، فهي إعادة رسم الأزمات في شرق المتوسط، وتشكيل قواعد اشتباك جديدة بين القوى الدولية والإقليمية.
ففي غزة تم “بناء قضية” إقليمية بالكامل مختلفة نوعيا عن شكل الصراع القديم، وهو نموذج يمكن اعتماده لاحقا في سوريا ولبنان والعراق، وغيرها من الدول التي تبدو مستقرة ولا تعاني صراعات داخلية أو خارجية.
عمليا فإن أحداث السابع من تشرين أوضحت هشاشة الجبهات التقليدية، فالاختراق الذي نفذته “حماس” كان لمرة واحدة، بينما بدت “التعهدات الدولية” لـ”إسرائيل” شكلا من التخوف على النظام الإقليمي وليس على “إسرائيل”.
إذ تحولت من دولة بتحالفات متعددة الأطراف إلى شكل رمزي بالنسبة لأوروبا والولايات المتحدة، والقسوة كلها التي تمارسها أو حتى التبجح بمواجهة الإرادات الدولية ليس فقط نتيجة رعونة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتنياهو، إنما من طبيعة “القضية” التي تم بناؤها، فعملية “حماس” العسكرية أوضحت أمرين:
الأول أن قياس الأزمات وفق معايير الصراعات التقليدية لم يعد قائما، وزعزعة النظام الإقليمي لن تكون وفق حلول سياسية كبرى مثل حل الدولتين، إنما باختراقات عسكرية كما فعلت “حماس” وبصياغة الأدوار الإقليمية بناء على تداعيات هذه الاختراقات.
الثاني أن أزمة “إسرائيل” الحقيقية ليست في التناقضات القائمة بينها وبين الفلسطينيين فقط، إنما في طبيعة مسؤولية الإقليم في حمل “العبء الإسرائيلي” الناجم عن الاحتلال، فعملية طوفان الأقصى على المستوى السياسي دفعت لحلول جديدة تجعل من القضية الفلسطينية مسؤولية سياسية إقليمية تتوزع مسؤولياتها على الجميع.
القضية السياسية التي تم بناؤها مستندة إلى سقف الصراع بين الفلسطينيين و”إسرائيل”، والحدود السياسية التي استمرت طوال العقود الماضية، فالعلاقات بين العرب و”إسرائيل” لم تعد تطبيعا بعد طوفان الأقصى، بل مشاركة في تبعات الاحتلال عبر قوات عربية في غزة، وهذا الأمر الذي يبدو افتراضيا حتى الآن لكنه يوضح أن التفكير بمسألة الاحتلال تبدلت كليا.
اخترقت حماس قواعد الاشتباك في السابع من تشرين الثاني، في المقابل فإن الولايات المتحدة، وليس “إسرائيل”، اخترقت قاعدة الصراع عموما بتحديد ما يجري بـ”أزمة الرهائن”.
بينما تركت العمل العسكري كي يخلق “القضية السياسية” التي يتم التعامل معها اليوم، فالدخول إلى الحل السياسي لم يعد “عملية” وفق المصطلح الذي أسسته اتفاقيات أوسلو، إنما إعادة توزيع المسؤوليات على الجانب العربي تحديدا، كي يصبح الأمن الإقليمي شكلا تشاركيا بين الدول الإقليمية و “إسرائيل” ويستوعب التطرف وتبعات الاحتلال، ويُصفي أشكال الصراع والتطبيع وحل الدولتين التقليدية وحتى أشكال المقاومة.
الرهانات السياسية الخاسرة ستظهر لاحقا، فحتى اللحظة ليست هناك ملامح واضحة للشرق الأوسط عموما، لكن أي اتفاق قادم سيرسم مستقبلا لا يبدو أن أحدا من “محور المقاومة” مستعد له، ولا أحد أيضا ممن كان يسمى بدول الاعتدال جاهز لتغيير المفاهيم السياسية القائمة منذ عقود بعيدة، فهناك زمن جديد ظهر بالعنف والمجازر “الإسرائيلية”، لكنه في الوقت نفسه “زمن مجاز” أمريكيا وأوروبيا لبناء أزمات المنطقة على قواعد جديدة.