هاشتاغ-رأي-مازن بلال
خلال العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي كانت المعادلة الإقليمية مرتبطة بكتلة صلبة تجمع القاهرة والرياض ودمشق، واستطاع هذا التكتل التعامل مع التحولات العنيفة التي ظهرت من اجتياح العراق للكويت، وشكل ضابطا للعمل السياسي عموما، وعلى الرغم من أن هذا المحور لم يعد ممكنا في ظل الواقع الإقليمي، فإنه يبقى ضمن النموذج الذي يمكن النظر إليه في التكتلات الإقليمية عموما.
عمليا فإن خبر تعيين سفير للسعودية في دمشق يعيد مسألة صياغة العلاقات صياغة مختلفة، وعلى الرغم من أن أثره الاستراتيجي والاقتصادي لم يتضح بعد، فإن التصور الأولي يحتاج إلى صياغة مختلفة عن العقود السابقة، فالهموم السعودية تحولت باتجاه السوق الدولية بدلا من “المركزية الدينية” التي مثلتها في القرن الماضي، في المقابل فإن دور سوريا الإقليمي ليس غائبا فقط، إنما بات في مساحة التفاوض الدولي وإعادة صياغة الإقليم كله.
أهمية القرار السعودي تأتي من معاكسته الاتجاه الدولي، فبالتأكيد لا يأتي هذا القرار بوصفه مواجهة مع العقوبات الأمريكية، فهو في النهاية مسار فقط يمكن بوساطته التعامل مع الأزمة السورية تعاملا مختلفا، وهذا الأمر ظهر في بيان القمة العربية الختامي في البحرين، إذ أصبح تمثيل سوريا الرسمي هو الأساس للخروج من الأزمة المزمنة، وبصرف النظر عن التفاصيل التي تحكم قرارات القمة العربية، لكن الواضح أن “سوريا” لم تعد تشكل لمعظم الدول العربية معضلة محورية كما كانت علية قبل عشر سنوات، في المقابل فإن الوضع الحالي إقليميا على الأقل لا يطرح حلولا بقدر ما يطرح تحديا لدول المنطقة.
ما فعلته السعودية في السنوات الماضية نوع من “تعويم” علاقاتها، فالمراحل الماضية كانت تملك إيقاعا إقليميا، بينما تتعامل اليوم برغبة في إيجاد مساحة دولية خارج هموم الإقليم، وهذا التصور يعد جديدا بعد أن كانت قوة الرياض مستندة إلى قدرتها الاقتصادية في التحكم بالأزمات، بينما تبدو اليوم في شكل آخر يتعامل مع المساحة الأوسع لضمان أمنها وخلق توازن مع قوى إقليمية أخرى مثل إيران وتركيا.
هذا الشكل في العلاقات السعودية سيحكم بالتأكيد علاقتها مع دمشق، وسيضع البلدين ضمن تحديات جديدة تتضح في موضوعين:
– الأول هو قدرة دمشق على التكيف مع أمن إقليمي مختلف لا يتعامل مع “نظام المحاور” بل التداعيات التي تفرضها التوازنات المرتبطة بالحزام الإقليمي الذي يشمل تركيا وإيران.
– الثاني هو المصلحة السعودية على المستوى الاستراتيجي، وهو ما يحتاج إلى تبريد الأزمات كي تستطيع خلق توازن مع إيران بالدرجة الأولى، خصوصا في ظل اتفاقات تعقدها الرياض مع واشنطن.
في المشهد العام هناك معادلة أساسية تبدأ بالتعافي السوري الذي سيخفف بالضرورة من وجود القوى الإقليمية على أرضها، وهذا الأمر سيتيح للرياض هامش تحرك أوسع في بناء موقعها دوليا، وتبقى الاستفادة من هذا “المشهد” مرهونة بقدرة السعودية سوريا على خلق تصور جديد للعلاقة بينهما.