هاشتاغ- عبد الرحيم أحمد
لاشك أن زوال النظام الحاكم في سوريا بعد 14 عاماً من حرب أدمت قلوب السوريين جميعاً بمختلف بيئاتهم ومكوناتهم، شكّل مفاجأة لهم وربما لدول العالم أجمع، مفاجأة ألقت بظلال القلق والخوف على طيف واسع
من السوريين من أن تأتي الفوضى على ما بقي لهم من مقومات “شبه حياة” هي في الأساس وصلت إلى الحضيض.
لكن اليوم وقد مرّ الأسبوع الأول على سقوط “نظام الصوت الواحد” وليس “اللون الواحد” الذي أسكت على مدى عقود أي صوت مخالف له، مرة بالتهديد وأخرى بالتغييب والاعتقال، يتنفس السوريون نسائم الأمل بعد أن تجاوزوا حالة القلق بوعيهم لضرورة تجاوز المحنة التي أصابتهم على مدى العقد الماضي.
يتناقل السوريون اليوم في أحاديثهم وفي صفحات التواصل الاجتماعي روايات وعبارات تدعو في أغلبها للتكاتف والشراكة ونبذ الفتنة والعمل معاً لبناء الوطن بعيداً عن ويلات وآلام سنوات الحرب الدموية التي أشعلها الرئيس الفار للحفاظ على مكاسبه ومواصلة نهب ماتبقى من قدرات الشعب، وقد تحولت حكوماته الأخيرة إلى “حكومات جباية” كما كان يصفها السوريون على الملأ.
ما يدمي قلب السوريين اليوم أنه وفي لحظة “هروب الطاغية” فُتح المجال للعدو الإسرائيلي أن يمعن في تدمير ماتبقى من قدرات سوريا الدفاعية العسكرية التي دفع الشعب السوري من لقمة عيشه ومن دمه ثمناً للحصول عليها، وفي وقت يقف العالم متفرجاً على العربدة الإسرائيلية في أجواء سوريا وقصفها منشآتها العسكرية الحساسة، وآخرها أعنف قصف ليل الأحد –الاثنين دمر خلاله العدو مخازن أسلحة وقواعد عسكرية في طرطوس وحمص واللاذقية وحماه.
وبالرغم من كل هذا السواد الذي يحاول العدو فرضه على السوريين في يوم انبلاج فجر حريتهم، يأمل السوريون أن يكرس العهد الجديد بقيادة الإدارة الجديدة سواء من قبل القائد أحمد الشرع شخصياً أو حتى حكومة الإنقاذ أساساً صلباً لبناء دولة المؤسسات التي تحفظ حقوق الشعب على مبدأ المساواة والعدالة وفرض الأمن والأمان بقوة القانون وتكافؤ الفرص ليتشارك الجميع في مرحلة الإعمار وإعادة البناء.
الكل يعلم أن النظام الساقط لم يكن نظام طائفة واحدة بل كان نظام طبقة سياسية فاسدة ومفسدة تضم أشخاصاً من مختلف الأطياف والانتماءات العرقية والدينية، وأن جرائمه لم تستثن أحداً ولم ترحم أحداً بغض النظر عن انتمائه، لذلك المرجو اليوم أن نتحلى جميعاً بالحكمة والتعقل والتبصر بعيداً عن فكر الانتقام والثأر، من أجل إعادة بناء الدولة المهشّمة اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً وفق مفهوم التعددية السياسية والحرية بمشاركة الجميع دون إي إقصاء، ودون تحميل تبعات جرائم نظام القمع لجهة ما أو طائفة بعينها.
من الجميل أن القائد الشرع أعلن أنه لايمكن أن الحكم بعقلية الثورة بل بعقلية الدولة، ما يعني أننا اليوم أمام مهام وطنية كبرى تتمثل بكتابة دستور جديد للدولة المدنية التعددية وإعادة تشكيل الجيش الوطني لحماية السيادة الوطنية، وهذه المهام تتطلب مشاركة جميع أبناء الوطن ونخبه السياسية والفكرية والوطنية من مختلف الأطياف.
لقد عانت المؤسسات بكافة أشكالها وعلى رأسها المؤسسة العسكرية من ويلات وبطش هذا النظام الذي استخدمها وزجها في معارك الدفاع عن مصالحه تحت عناوين ومسميات ثبت للجميع اليوم أنها كانت زائفة ومزيفة، وأنها كانت عبارة عن مزايدات بدماء الشعب، وهؤلاء اليوم هم بأمس الحاجة لمن يزيل عنهم رُهاب السنوات الماضية مثلهم مثل جميع السوريين ليكونوا شركاء في تحرر سوريا من الظلم والقهر وفي إعادة البناء والإعمار.
نستطيع اليوم الحديث بإسهاب عن جرائم النظام وسطوته وظلمه وخصوصاً بعد تكشف حجم الممارسات بحق المعتقلين السياسيين في سجن صيدنايا. ومع احترامنا لمشاعر المكلومين في أبنائهم جراء الحرب الشعواء التي تم زجهم بها، فإن المطلوب اليوم التعالي على الجراح والعمل من أجل سوريا المستقبل التي تبنى بالحب والتكاتف، بالمصالحة والتسامح، بتجاوز إرث مرحلة الظلم وتكميم الأفواه ونبذ الأفكار والسلوك الإقصائي، بالحوار العاقل والحكيم، بمد اليد للأشقاء في الوطن وليس بالاستئثار والإبعاد.
ونحن اليوم كسوريين الأقدر على المصارحة والمسامحة، فالكل مكلومٌ ومفجوع بما اقترف النظام الساقط ولو بنسب متفاوتة، فلمند أيدينا ولنتشارك صناعة مستقبل سوريا المشرق الذي تستحق ويستحقه هذا الشعب العظيم.