هاشتاغ-مازن بلال
في مشهد معدل يحاكي بداية الأزمة السورية ظهرت أحداث السويداء، ولكن الاضطراب الذي شهدته المدينة يعوم على بحر من عدم الاستقرار شهدته المحافظة.
الشكل الحالي للاحتجاجات هو ضمن التداعيات المتأخرة للحدث السوري المستمر منذ أكثر من عقد، ففي عام 2011 كانت السويداء خارج نطاق احتمالات الاضطراب؛ لكنها مع تخفيف “المركزية” والعنف الذي شهدته جارتها درعا تبدلت علاقة المحافظة مع الدولة السورية بشكل واضح.
عمليا فإن ما شهدته السويداء تجاوز حد الاحتجاج ليس بطابعه العنيف إنما بخصوصية المدينة، وبالشكل الذي اتخذته عندما أصبحت تشكل حالة خاصة وإشكالية في نفس الوقت، وظهرت خلال العنف الذي شهدته سورية أمرين أثنين:
– الأول هو اعتماد السلطة السياسية على “الدفاع الذاتي” للمناطق المحلية، وهذه التجربة التي تفاوتت في أدائها لكنها كانت آلية لمنع انتشار المجموعات المسلحة، واتخذ هذا الإجراء موقعا خاصا في مناطق مثل محافظة السويداء وشمال شرقي سورية.
بالنسبة للجزيرة السورية فإن التشكيلات السياسية الكردية تطورت بشكل سريع مع ضعف المركز خلال هجوم “داعش”، الأمر الذي جعل منها سلطة تجاوزت “الدفاع الذاتي” لتصبح لاحقا مشروع إدارة ذاتية، وما رافق ذلك من أزمات ارتبطت بتركيا بالدرجة الأولى، حيث أصبح الشمال الشرقي لسورية نقطة تماس دولي إن صح التعبير مع التواجد العسكري الأمريكي في حقول النفط، بينما اختلف الأمر في محافظة السويداء لأن الدفاع الذاتي تحول في كثير من الأحيان إلى مجموعات عسكرية منعزلة عن المجتمع.
– الثاني؛ المراعاة لخصوصية المجتمعات في مسألة الاستجابة لأحداث الأزمة عموما، وإذا كان هذا الأمر واضحا في الجزيرة السورية أكثر من المناطق الأخرى، إلا أنه في منطقة جبل العرب أصبح “منطقة مكشوفة” بسبب تطور الخصوصية للمجتمعات في مواجهة “خطر تكفيري” في الجوار عبر المجموعات المتطرفة في محافظة درعا.
على عكس الشمال الشرقي لسورية التي اتسمت بسرعة “الشد” السياسي والعسكري للسوريين الأكراد، فإن الرهانات في السويداء كانت مختلفة، واتسمت بتشتت المرجعيات السياسية بالدرجة الأولى، فبغض النظر عن مسألة البعد الطائفي فإن الرغبة بالتدخل من قبل أطراف لبنانية و “إسرائيلية” لعب دورا في تصعيد مخاوف السلطة المركزية في دمشق، وهو ما دفعها إلى زيادة الدعم لمسألة “الدفاع الذاتي” والتعامل بشكل مرن جدا معها.
يعكس ما حدث في السويداء التراكم في تداعيات الأزمة على مستوى المجتمعات المحلية عموما، وربما فإن ضعف الحضور المركزي هو ما دفع الأحداث إلى هذا الشكل المختلف عن باقي المحافظات السورية، فالمسألة عامة رغم اختلاف الاستجابة بين محافظة وأخرى.
هناك عدم قدرة على خلق علاقة مختلفة مع أداء الدولة عموما، فالأزمات المعيشية هي نتائج خلل العلاقة بين هذه المجتمعات ومراكز اتخاذ القرار، والتركيز على السويداء الذي يبدو للوهلة الأولى نتيجة خصوصيتها، لكن الشأن الأساسي هو مسألة “السياسات العامة” الغائبة عموما نتيجة عدم الوصول لعلاقة جديدة بين المجتمع والتشكيل السياسي في طرفي الأزمة وليس على مستوى الحكومة فقط، لأن كل تشكيل سياسي يتحمل قدرا من هذا الأمر، فالأزمة ما تزال ومنذ أكثر من أحد عشر عاما أزمة عجز عن تركيب علاقة جديدة في سورية تكسر كل مقاييس الحدث في الأزمة أو حتى ما قبلها.