هاشتاغ-رأي-مازن بلال
ما يحدث في السويداء مرور سريع لانهيار الأمن الإقليمي، وسبب اندلاع الفوضى لا يصور سوى ظاهرة واحدة مرتبطة بالرؤية الاجتماعية للدولة الإقليمية، فالحديث عن وجود “حاجز” أو “إزالته” يمكن عده مسألة تنقل هشاشة التعامل مع الحالة الداخلية من دون النظر إلى المساحة الأوسع، خصوصاً وأن السويداء شهدت طوال الشهور الماضية اضطرابات لم تؤثر عملياً في الحياة العامة، وحتى ما جرى مؤخرا سيمر على مساحة الأزمة السورية من دون أي تحول عميق.
عملياً فإن “الاحتقان” الذي يتم الحديث عنه في جبل العرب عموماً تعانيه المناطق السورية كافة، وهو بمعناه العام لا يمكن توجيهه باتجاه سياسي محدد لأنه مرتبط بـعدم القدرة على خلق اختراق بالأزمة، وبالتوازن الإقليمي القلق الذي ظهر ظهوراً فجاً مع بداية طوفان الأقصى، فالترابط هنا ليس متعلقاً بالحدث المباشر إنما بعدم وجود ضوابط لسيادة الدول عموماً، فحرب غزة أوضحت طبيعة الاختراق سواء بوجود أساطيل أمريكية في الشرقي المتوسط، أو عمليات عابرة للحدود من قبل الأطراف كافة، وبشكل يكرس “هشاشة” السيادة في المنطقة ككل.
ظهر الاضطراب في السويداء بوصفه تداعياً لتقليص مسألة السيادة ليس في سوريا فقط بل على مستوى الإقليم، مفهوم “الدولة الإقليمية” هو نقطة التركيز في أي حدث سواء “حرب غزة” أم انتهاكات “إسرائيل” القوانين الدولية، ليس بمجازرها في قطاع غزة، بل أيضاً على تجاوز حدود الصراع وممارسة ضربات على طول الجغرافيا اللبنانية والسورية، وحتى في الاعتداء على البعثات الدبلوماسية، ويبدو أن الحدث الإقليمي يحمل معه مؤشرين:
– الأول هو أن الحدث المحلي لم يعد ممكن تجاوزه تجاوزاً عادياً، فهو حدث مرتبط بهشاشة الإقليم عموماً، وحتى في مسألة “أحداث السويداء” فإنه في النهاية لولا تجاوز مفهوم السيادة الذي تمت ممارسته طوال العقد الماضي.
في السويداء يبدو الأمر “مطالب” اجتماعية، لكنه أيضاً حالة إنهاك اجتماعي بمطالبات لا ترتبط فقط بالحكومة السورية، إنما بالإرادة الدولية في إنهاء الحالة الاستثنائية في سوريا، ودفعها للتعافي المبكر بقدراتها الذاتية وليس بالمؤتمرات الدولية، فالحالة المطلبية هنا هي نتيجة شكل إقليمي يحرج الحكومة السورية، وهذا الأمر يمكن سحبه إلى دول المنطقة كافة سواء تعلق الأمر بالمواقف من حرب غزة أم من غيرها من المسائل.
– المؤشر الثاني مرتبط بالجغرافيا السياسية السورية عموماً، فجبل العرب لا يمكن النظر إليه بحيادية سواء على المستوى السكاني أم على الجغرافي حتى، وارتباطه بالدولة السورية هو نموذج إقليمي وليس مجرد حالة داخلية سورية.
نحن أمام اضطراب يبدو منفصلاّ عن الحدث الإقليمي، لكنه في العمق جزء من تآكل “الأمن الإقليمي”، ومن إعادة النظر في مفهوم “الدولة الإقليمية” ليس فيما يخص سوريا بل أيضاً فيما يخص الدول كافة، فحتى فيما يتعلق بدول الخليج المستقرة والتي تأخذ منحى تنموياً نوعياً، فهي في النهاية تتحول نحو مفهوم جديد لموقعها في النظام الإقليمي، فهناك عتبة يتم تجاوزها اليوم وتداعياتها مهما بدت محلية لكنها ستبقى مرتبطة بأزمة إقليمية حادة.