Site icon هاشتاغ

السيناريوهات السورية الصعبة

مازن بلال

مجازر الساحل لا تنفصل عن السياق الذي حدث في سوريا، فما انهار كان “منظومة” وليس نظاما سياسيا، والدعاية التي انطلقت منذ الثامن من كانون الأول في معظم دول الإقليم لدعم ما حدث؛ كانت في عمقها محاولة لاستيعاب المخاطر التي خلفتها غياب “المنظومة”، في وقت تدرك فيه معظم الحكومات العربية وحتى الأوروبية أن سد الفراغ السياسي في سوريا شبه مستحيل.

اليوم، يُجرى الحديث عن سيناريوهات مختلفة وتحليل لاتجاهات السلطة في دمشق، لكن من الصعب البحث عن مسار يمكن بوساطته درء مخاطر الغياب الكامل لمنظومة سياسية لا علاقة لها بسلطة البعث أو غيرها من حكام سوريا منذ الاستقلال، فمنذ ظهور سوريا كانت هناك دولة مرسومة وفق أساس الحفاظ على التوازن الإقليمي، فهي بخلاف العراق على سبيل المثال تمثل نقطة التقاء للخط الفاصل مع “إسرائيل”، وأيضا بخلاف مصر تملك بعدا حيويا تنظر إليه “إسرائيل” بقلق خاص، والانهيار الذي حدث لم ينهِ معادلات إقليمية فقط؛ بل خلق احتمالات مفتوحة للمنطقة ككل.

في الساحل السوري لا توجد “أركان النظام السابق”؛ بل البوابة التي يمكن عبرها النفاذ إلى سوريا نفاذا سلسا، والتوازن الاجتماعي فيه لا يرتكز على قضية “الطوائف” إنما على البعد الجغرافي الذي يحمل معه مساحة لضمان الكتلة التاريخية لسوريا التي تمتد على الخط ما بين حلب ودمشق، فالمذابح التي ارتُكبت بحق طائفة بعينها تطرح مسألتين:

الأولى إقليمية، فالرعونة السياسية التي تمت فيها مجابهة الأحداث أنتجت زلزالا إقليميا لم تعترف به الدول العربية حتى الآن، لكن مؤشر خطورته ظهر في “إسرائيل” التي أدركت مبكرا أن الفراغ في سوريا يصعب ملؤه، وانتشارها اليوم في الجنوب السوري لا يعبر عن خطر محلي بل إقليمي؛ لأن حدودها في الجولان المحتل بقيت آمنة، وإعلانها حماية طائفة بذاتها هو شكل استباقي لمواجهة المخاطر القادمة.

الثانية محلية؛ لأن السيناريوهات المقبلة أصبحت ضمن إطار الضغوط الدولية، فالقناعة الدولية التي تتشكل الآن هي أن الميليشيات التي انتشرت في الساحل يمكن أن تتحول إلى ظاهرة تؤدي لتغيرات جيوسياسية على مستوى الإقليم.

بالتأكيد من المؤسف أن يكون الدم السوري أداة لكل التحولات القادمة، وأن يتم بناء العلاقات الإقليمية على المجازر، لكن المرحلة الحالية كانت تحمل عناوينها منذ اللحظات الأولى، فالتحول السياسي لا يمكن أن يحدث من دون وجود مؤسسات دولة قادرة على حمايته، وهذا الأمر غاب تماما مع انهيار المنظومة السياسية التي أوجدت سوريا على الخارطة منذ بداية القرن العشرين.

حماية سكان سوريا باتت عنوانا للأمن الإقليمي عموما، والمجازر رسمت مسارا مستقبليا صعبا لا يمكن تحقيقه بصياغات سياسية تظهر رد فعل على ما حدث، فالدولة التي تعيد بناء “منظومة” تستوعب الجغرافيا السورية بتعقيداتها كافة هي الحل لإعادة الأمن، ليس على المساحة السورية؛ بل ضمن شرقي المتوسط عموما.

Exit mobile version