هاشتاغ: لجين سليمان
التقيت منذ حوالي شهر مع شابة إفريقية، عانَت بلادها ولم تزل من الاحتلال الفرنسي والحكومة المحلية التي عيّنها والتي هي أصلا تُنفّذ المصالح الفرنسية على أراضيهم.
تمنّت أن تحدث حربا كبيرة في بلادها بما يمنع استمرار الوضع الراهن. أجابها بعض الأصدقاء الصينيين الحاضرين أن الحرب مكلفة ولا أحد يتمناها، فقالت: “أفضل من العيش كما نحن الآن”، فأخبرتُهم أنه لدينا في سوريا وضع مشابه إلى حدّ ما، وأننا بالفعل نملك الكثير من الأماني بأن يحدث أي تغيير، فضمن الوضع الحالي الداخلي وضمن المتغيرات الإقليمية الموجودة لا أمل لنا في البلاد. تمنيتُ عندها وجود ثورة، ثورة حقيقية من الشعب في الداخل، تعيد البلاد إلى حالة ديمقراطية وعلمانية.
خالفني الرأي أحد الأصدقاء العرب قائلا: “شعوبنا لا تستحق الديمقراطية، بل إننا نستحق القمع بشكل دائم، لا سيما أنه وفي حال انهيار الدولة السورية، فإن الحرب الأهلية حادثة لا محالة”.
حقيقة هي عبارات ترددت كثيرا وسمعتها كثيرا في مختلف الأوساط السياسية والثقافية التي ناقشت الوضع السوري، ولكن دائما كنت أخالف تلك الآراء، وتحديدا لأني أدرك أن معظم أبناء الشعب السوري طيبون ويستحقون العيش بكرامة. إلا أنّ الخوف من المجهول القادم كان يجعل الخيار المطروح دائما هو إما الفوضى أو الإبقاء على الحالة السابقة، والتي كانت تعاني موتا سريريا، وهو ما كان يشعرني أنني فقدتُ البلاد فعلا.
حدث ما حدث، وتغيّر النظام السياسي، ويوميا وعبر الإنترنت أتابع كل ما يتعلق بالواقع السوري من فيديوهات ومشاهد، رأيت مشهدا سوريا مختلفا خاليا من أي نوع من أنواع الصراعات بل على العكس تماما، هي لحظات كان الناس ينتظرونها، إذ رأيت مختلف الفئات الاجتماعية التي لا تخاف من بعضها، لا بل تتسابق على القيام بحركات بسيطة تُشعرها أنها قدّمت لبلادها إنجازا مثل تنظيف الشوارع، أو حماية بعض الأحياء.
رأيت التحرر من الخوف، من القلق، التحرر من أن الآخر هو عدوّ لمجرّد أنه يخالفني الرأي أو المعتقد أو الانتماء، خفت أن يسيطر الانتقام على المشهد، إلا أنّ الجميع كان عكس التوقعات. كان هناك أمنية وحيدة تمنيتُ لو حدثت ألا وهي أن تكون ثورتنا داخلية، تنطلق من شوارعنا، من أحلامنا، من مخططاتنا، من مستقبلنا الذي نتمناه، إلا أنّ الخوف الذي كان مشروعا ومبررا، منعنا جميعا من الإقدام على هكذا خطوة، لا سيما وأننا لم نكن لنعرف أنّ أحلامنا واحدة.
لم يكتمل الفرح، يوم واحد بعدها بدأت إسرائيل بتدمير مقدراتنا الدفاعية، اعتدَت على كل ما يمكن أن يُهدّدها. وعلى الرغم من حزن الكثيرين إلا أن الخبر لم يمر كما يجب، لم يصعق، لم يصدم، لم يُسمع الخبر كما حجمه الحقيقي، وذلك لأن أخبار الظلم والسجون طغت على المشهد، وسيطرت على مشاعر الكثيرين. عرفت عندها أن ألم الداخل تعاظم وكبر عبر السنوات الماضية، وهو ما يُفرّغ أي تهديد خارجي من مضمونه.
أدركتُ كم من الصعب بناء دولة مقاومة لإسرائيل بشعب مظلوم ومكسور وخائف. عرفت وظيفة الشعارات التي كانت تُطلق ضد الاحتلال على مرّ عقود مضت، إذ لم يكن لها من أهمية سوى أن ترنّ وترنّ وترنّ.
وأما اليوم، وعلى أمل طي صفحة الماضي، لا بد من أن يكون لحراكنا الثقل الأكبر، في ظل كل الأوزان الدولية التي بدأت تحطّ أطماعها في سوريا، لا بد من أن يكون لنا الكلمة، هي فرصة تاريخية، لنعبّر عن أنفسنا، ونتجاوز كل الاختلافات، التي وعلى ما يبدو فنحن قد تجاوزناها بالمآسي التي جمعتنا.
اليوم لا بد من أن يكون حراكنا من أجل سوريا التي نريدها أقوى من أي طبخات دولية، كي لا تُسرق طموحاتنا مرة أخرى، خاصة وأن التهديدات الكبرى لم تزل موجودة، ونحن كسوريين لا نريد أن نعود لوطن يتيم بلا أبنائه.