هاشتاغ-نضال الخضري
تدفع الأيام القاسية إلى “الرغبة” بقراءة تفاصيل الوجوه التي أرهقها العبث بالواقع، أو الحلم بأرض الأحلام التي تستهلك الذاكرة، فوراء سورية هناك ذاكرة جمعية من بقايا “السفر برلك”، وربما أبعد من ذلك عندما أحرق تيمورلنك المدينة وأخذ من بقي من سكانها معه، لكنهم عادوا بعد سنوات ليرمموا حلمهم الذي كسرته الحروب، فالأزمة إحساس عارم بأن الحياة هي تعابير الوجوه وهي تبحث عن معنى، وعن شتاء لا يسحب الروح ببطء، ثم تلوح لمن بقي بأن الحياة بكوارثها هي ما يبقى لمن اختار أن يتلمس “مسرح الوطن” بكل تفاصيله.
المسألة في الأزمة السورية ليست انطباعات يرددها كل من تستضيفه الشاشات، فيقرأ في المسارات وكأنها خارج دورة الحياة، أو نوع من الوجوم للوجوه التي تستمع على تفنيدات الأزمة وهي غارقة فيها، فالسوريون يسترجعون تاريخ الحياة وسط عدم القدرة على مجاراة الحاضر الذي أصبح لونا لا يمكن تمييزه داخل طيف الضوء، فهناك اكتشاف للنار من جديد لأنها يمكن أن تضيء الدروب المنهكة، ويمكن ملاحظة البحث عن “دروب” ينسون فيها ترف الألفية الجديدة التي سحبتهم نحو متاهة الحرب فتاهوا ما بين الرحيل أو البحث في مدنهم عن شكل فريد للحياة.
هذه الأزمة رسمت محاولات اكتشاف الذات والعبث في التاريخ والحاضر، ومحاولة اللعب بالوهم الذي أغرقنا بنشوة طارئة، لنكتشف بعدها أننا نقف وحدنا في مشهد فريد من نوعه، حيث لا يريد البعض تصديق أن الأزمة غيرت “الشكل السوري” وغدت الحاجة لشكل جديد خروجا حقيقيا من الأزمة، فنحن نبحث عن احتياجات الماضي الذي انتهى مع أول حالة اضطراب، ونريد تسجيل سبق في الهروب إلى “الخلف” عندما كانت الحياة على أقل تقدير تتيح لنا البحث عن خيارات، بينما لا تملك اليوم سوى “درب” ضيق لا يتسع إلا لوجوهنا المتعبة، ولصدى أصواتنا وهي تحاول طرح أسئلة عن نهاية محتملة لهذا “الدرب”.
يمكن للشغف بـ”الأزمة” أن يحملنا بعيدا عنها، فندرك أن حياتنا الجديدة ليست مختلفة فقط عن الزمن الذي ولّى، بل هي محاولة إبداع لاكتشاف أن الحياة ليست رحيلا فقط، وأن الدرب الضيق هو ما نملكه اليوم وهو أيضا نقطة تلاقٍ تحدد حالة جديدة ممكنة، واحتمالات مفتوحة لصياغة واقع ينطلق من القسوة ليعيد ترتيب ما بقي من مساحات خضراء حولنا، فهذا الدرب الذي يشبه الأزقة التراثية يحملنا سويا وربما يفرقنا لكنه كل ما نملك بعد أن انتهى العالم الذي ألفناه في الماضي.
نتعلم أن الشغف بالأزمة ليس تكرار تداعياتها فقط، بل القدرة على إعادة “خلق” الحياة رغم كل ما يحيط بنا، فليس باستطاعة كل السوريين الخروج بعيدا عن جغرافية بلدهم، ومن يبقى عليه اختراع أبجدية إنتاج تبدأ من “الدرب” الوحيد الذي يجمعنا.. درب لعلاقة اجتماعية نصل بها لتفاهم حول إنتاج مختلف وممكن.. إنتاج يمكنه أن يرسم شكل الحياة القادمة.