هاشتاغ_رأي مازن بلال
من المستبعد أن تؤدي أي عملية عسكرية تركية محتملة في الشمال السوري إلى كسر التوازن القائم حاليا.
الولايات المتحدة ضمن المؤشرات المتوفرة ليست بصدد التصعيد مع أنقرة إلى حد منعها من التحرك العسكري.
مواجهة واشنطن اليوم هي في الحفاظ على وحدة دول الناتو في ظل الحرب الأوكرانية، بينما تسعى موسكو إلى تخفيف احتكاكها
في شرقي المتوسط، فصراعها يرتكز اليوم على ضمان أمنها في ظل حصار غربي غير مسبوق.
عملياً، فإن تركيا تستفيد من الظرف الدولي لكسر احتمالات ظهور قوة كردية على حدودها، فأي تحرك عسكري لها سيختلف عن باقي عملياتها لأنه يرتكز إلى مرحلة زمنية مختلفة تحمل تغيرات استراتيجية.
أنقرة تتحرك اليوم بشكل يؤسس لحالة مختلفة تحمل معها فرض واقع نهائي، ويمكنها استخدام اللاجئين السوريين على أرضها كورقة قوية يتم فيها تحويل الشمال السوري، وإتباعه لاحقا ولو بشكل إداري إلى الحكومة المركزية.
فاللاجئون السوريون بعد الحرب الطويلة هم مجتمع متحول، والأجيال التي “كبرت” في المخيمات أو حتى التي ولدت هناك يتحولون بشكل تلقائي إلى مشروع “مجتمع تركي” جديد.
أشكال التوطين التي تقترحها تركيا للاجئين هي إعادة توزيع لهم ضمن جغرافية ملحقة بالدورة الاقتصادية – الاجتماعية لتركيا.
وعلى عكس المجموعات المسلحة السورية التابعة لها التي نشرتها في الشريط الحدودي السوري؛ لا يملك هؤلاء اللاجئون أي مشروع خاص بهم، ولا يحملون معهم تفاصيل صدامات عنيفة وطموح في تأسيس مناطق نفوذ،
فهم في النهاية يبحثون عن استقرار وتنظيم لأمورهم المعيشية، فالتصور التركي وفق التصريحات التي يقدمونها يعتمد على أمرين:
الأول؛ عملية “الإغناء” البشري لمناطق باتت شبه فارغة نتيجة الصراع العسكري، وهذا الأمر سيخلق أشكالا إدارية ستنظمها أنقرة بشكل يعيد تأهيل اللاجئين كمواطنين ليسوا مؤيدين لها فقط، إنما مستعدين لتقديم “الولاء” للحكومة التركية.
ينصب التفكير التركي في الحد من أي مشروع كردي بشكل عملي، فعملية التوطين ستخلق “اقتصادا” خاصا وشكلا ثقافيا يختلف كليا
عن تواجد مجموعات مسلحة فقط، ومن شأن هذا الأمر إعادة كل أشكال الإنتاج في الجزيرة السورية، وبشكل يسمح لتركيا بالتحكم
الكامل سياسيا واقتصاديا بشمال غرب سورية.
الثاني؛ مواجهة الحالة العسكرية سواء ما تمثله قسد أو حتى الفصائل المسلحة الموالية لتركيا بتشكيلات بشرية منظمة على مستوى
إشغال الأراضي التي تستعد تركيا لتوطين اللاجئين فيها.
هناك حالة سياسية مفقودة في كل المناطق التي تحتلها تركيا، وفي حال استطاعت توطين اللاجئين، وخلق دورة حياة يصبح من الممكن
إيجاد شكل سياسي مختلف كليا عن واقع الميليشيات المسلحة المنتشرة في الجزيرة، والواقع السياسي في تلك المنطقة هو الشكل الوحيد
الذي سيضمن لها شرعية ضم تلك المناطق، أو على الأقل تبعيتها للسياسة التركية.
ينصب التفكير التركي على استغلال فراغ دولي موجود في المنطقة رغم تواجد قوى عسكرية مختلفة في الشمال السوري،وهذا الأمر
لا يمكن مواجهته إلا بحالة سياسية مختلفة على المستوى الإقليمي.
فالعواصم الكبرى غير قادرة اليوم على إدارة نزاعات ولدتها مراحل سياسية على وشك الأفول،وضمن هذا الظرف فإن الاحتمالات
تصبح مفتوحة بالنسبة لكل دول المنطقة كي ترسم قوتها على خارطة شرقي المتوسط.