هاشتاغ-مازن بلال
تقدم المعارك في شمال شرق سوريا احتمالات غير تقليدية في الأزمة السورية، فرغم تأكيدات الولايات المتحدة بأنها لا تسعى لحرب مع إيران، لكنها تواجه انحسار الجبهات الممكنة مع طهران إلى نقاط التماس في سوريا، على الأخص أن الحرب الإقليمية بمعناها الواسع لا تدخل اليوم ضمن حساب الإدارة الأمريكية، لكنها أدارت المواجهة مع إيران عبر معارك متفرقة من اليمن إلى سوريا، وفي المقابل فإن عاملين أساسيين قلصا من التصعيد: الأول ظهر مع تبريد الأجواء بين إيران والسعودية والثاني الأزمة السياسية في “إسرائيل”.
عمليا فإن الاشتباك خلال الأسبوع الماضي بين ما تسميه واشنطن “مليشيا مدعومة إيرانيا” والقوات الأمريكية لا يمثل احتكاكا عاديا، فرغم محدودية “ساحة المعركة” إن صح التعبير لكنها تجري فوق جغرافية خطرة، وفيها إمكانية احتكاك ما بين موسكو وواشنطن، وهذا ما مهدت له الولايات المتحدة عبر حديثها عن تحليق الطيران الروسي فوق قاعدتها في التنف، ويمكن هنا ملاحظة أمرين:
– الأول أن الاشتباك يجري وسط احتقان دولي، ومؤشرات “المعركة المحدودة” تتجاوز البعد الإقليمي، وتطرح إضافة لمسألة فشل عودة الملف النووي الإيراني للمسار الدبلوماسي عدم القدرة على خلق ترتيبات دولية على مساحة شرقي المتوسط.
تضع روسيا وسط حربها في أوكرانيا محاولات دبلوماسية لملفات الأزمات الإقليمية؛ ابتداء من الحرب في سورية مرورا بالتوترات في الخليج وصولا إلى الملفات المعقدة مع تركيا، وبغض النظر عن أي نتائج مرتقبة لهذه المحاولات فإنها على المقلب الدولي الآخر تظهر بتجاهل أي إمكانية لتكريس نظام إقليمي مستقر، فرغم أن الولايات المتحدة وأوروبا تدرك أن العودة لشكل من التوازن في شرقي المتوسط يمكن أن يساعدها في صراعها ضمن النظام الدولي، لكنها لا تقدم تصور في مواجهة السعي الروسي إلى تأمين استقرار أزمته الأساسية الافتقار لنظام مالي يوازي ما تملكه الولايات المتحدة.
– الثاني أن الولايات المتحدة عبر تواجدها في سوريا تطرح محاربة داعش كأساس، فهي على عكس روسيا ليست منتشرة عبر قواعد عسكرية تملك اعتبارات خاصة، فانتشار قواتها يشكل “مخافر” موزعة للتأثير على التوازن في سوريا، وعلى عكس موسكو فإن واشنطن ترسم خطوطا تفرضها على جميع اللاعبين الإقليميين والدوليين عبر تواجدها في الجزيرة السورية.
القاعدة الأمريكية الأساسية بالمعنيين السياسي والعسكري ليست في سوريا، وتواجدها في شرقي الفرات جاء للتأثير على العلاقات الإقليمية عموما، بما فيها القدرة التركية على فرض واقع خاص في الشمال السوري، فالتواجد العسكري الأمريكي ليس لحماية الأكراد أو لمنع الإيرانيين من الوصول إلى شواطئ المتوسط أو حتى منع الدولة السورية من بسط سيطرتها على حقول النفط، إنما يأتي لوضع شرط أمريكي على أي دور دولي أو إقليمي، مثل الدورين الروسي والإيراني أو حتى التركي، يعرقل ممكنات خلق توازنات يمكن أن تدفع بعض القوى الإقليمي إلى موقع أقوى أو أوسع.
المعارك التي حدثت هي مؤشرات خطرة فقط، فحتى لو تمت محاصرتها فإنها في النهاية تطرح على الأقل عدم القدرة على تبريد الجبهة السورية عبر المساعي الدبلوماسية الروسية فقط، فهناك عامل سوري داخلي مفقود ويحتاج لوضع تصورات كاملة لدعم تلك المساعي، ولنقلها من إطار الدبلوماسية الإقليمية إلى مساحة البناء السياسي الداخلي.