يرتبط الموقف الأمريكي من سورية بتغير منظومة الشرق الأوسط، فالمسألة الأساسية في البيت الأبيض لا ترتبط بأي تحالف مع الأطراف السورية، ومهما شهدنا من تطورات سياسية أو عسكرية.
هاشتاغ-رأي-مازن بلال
فإن موقف واشنطن يعتبر أن دمشق تشكل بوابة للتوازن، فهو ينتظر إشارات لعلاقاتها الإقليمية وذلك بغض النظر عن التعقيدات العسكرية داخلها.
بالنسبة للولايات المتحدة فإن زمن التسوية في سورية هو هامش مهمل؛ فالأهم هو القوة في محيطها وهذا يعني بالدرجة الأولى تحييد إيران إقليميا، ووضع ضوابط لدور أنقرة وطموحاتها الإقليمية، ليس في سورية فقط بل في حوض المتوسط عموما، والوضع السوري هو مقياس لهذه الأولوية فهي ليست حليفا لطهران فقط، بل لديها الكثير من القضايا العالقة مع تركيا ولبنان والعراق أيضا، ووفق هذا التصور الأمريكي فإن الجهود الدبلوماسية للتسوية هي مسار عبثي مالم يصل إلى توازن في القوة في الشرق الأوسط، فهو سراع بين الدول الإقليمية ضمن مساحة ضيقة في جنيف أو استانة أو غيرها.
عمليا فإن واشنطن تعرف أن التحولات في شرقي المتوسط سريعة وغير محسوبة في كثير من الأحيان، وأن العاملين التركي والإيراني هما محورين أساسيين تسعى الولايات المتحدة لإزاحتهما وفق أمرين:
-الأول إعادة تركيا إلى الموقع المزعج لكل من موسكو وإيران؛ بحيث يتحول الطموح التركي من الشرق الأوسط باتجاه وسط آسيا، وهذا الأمر لا يبدو ممكنا بالقريب العاجل طالما أن حزب العدالة والتنمية التركي يتصدر المشهد.
تراقب الولايات المتحدة التحركات التركية في الشمال السوري، وتعتبره مؤشرا أساسيا في ممكنات القوة التركية، كما تراه أيضا في المشهد الشرق أوسطي وعلاقات أنقرة مع موسكو ومع حلف الناتو أيضا، ورغم أن حزب العدالة والتنمية غير وجه تركيا كليا إلا أن واشنطن تنظر إلى هضبة الأناضول بشكل مستقل عن السياسة التركية الحالية، وتعتبر أن تورط تركيا في سورية يمكن أن يستهلك موقع العدالة والتنمية بشكل تدريجي، وعمليات الشد والجذب مع أنقرة بشأن الأكراد في شمال سورية هي جزء من استنزاف سياسة العدالة والتنمية.
-الثاني يرتبط بالموضوع الإيراني، ونجحت واشنطن في تحشيد عداء لا بأس به ضد طهران من دول الخليج، وهي أيضا ترسم قوس أزمات يرتبط بسياسات طهران ابتداء من الأزمات الاقتصادية في هذا القوس؛ وصولا إلى الاشتباك السياسي في لبنان بسبب حزب الله الحليف القوي لطهران ودمشق.
حققت الولايات المتحدة اختراقات هامة ضد سياسة طهران وعلى الأخص في العراق، كما خلقت “مزاجا سياسيا” عاما في المنطقة يعتبر الأزمات مرتبطة بالتدخلات الإيرانية في المنطقة، ورغم أن النظام السياسي الإيراني يظهر ثباتا في استراتيجياته، إلا أنه مضطر للتوجه نحو الأزمات في الخليج، ومراجعة توزع سياساته في المنطق عموما.
سورية التي تشكل بالنسبة لواشنطن مؤشرا لتحولات القوة داخل دول منظومة الشرق الأوسط؛ تواجه تحد الدخول في التوازن الإقليمي من جديد، فحسابات واشنطن تسعى لإبعادها قدر الإمكان عن لعب دور مرجح في التوازنات عبر تركها في الأزمة الحالية، والاحتمال الرئيس هنا هو قدرة دمشق على رسم استراتيجية داخلية بالدرجة الأولي: سياسيا واقتصاديا؛ بغض النظر عن تعقيدات الأزمة، لأن هذه الاستراتيجيات ستجعل واشنطن تنظر إلى دمشق ضمن حسابات مختلفة، وهذا الأمر سيسرع من ويرة المسار السياسية لصالح الحكومة بدمشق.